[مسائل ترتبت على القول بالجوهر الفرد]
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[24 - 01 - 09, 10:47 م]ـ
[مسائل ترتبت على القول بالجوهر الفرد]
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فهذا المقال استكمال للموضوع السابق الذي تم طرحه في مسألة خرافة الجوهر الفرد عند الأشاعرة.
أولا: لماذا ذهب بعض المتكلمين للقول بالجواهر الفردة.
لما كان من أدلة أهل الكلام في إثبات وجود الله دليل الأعراض؛ وهو الاستدلال بحدوث الأعراض على حدوث الأجسام.
وكان قول الفلاسفة أن الجسم يتجزأ إلى غير نهاية لازمه القول بقدم الجسم من حيث أن مالا يتناهى لا يصح وجوده فكيف يعتقد حدوثه ثم يعتقد أنه بلا نهاية وهذا يقوده إلى اعتقاد قدمه.
ففرارا من هذا القول – وهو القول بقدم الأجسام – ولإثبات حدوثها قالوا بتكون أو تركب الأجسام من جواهر لا تقبل القسمة.
انظر بيان تلبيس الجهمية (1
285)
ثانيا: وقد انبثق عن هذا الاعتقاد مسائل ترتبت عليه , من ذلك:
1 - أنكروا أن يكون خلق الله شيئا من مادة أو شيء.
قال شيخ الإسلام: وهؤلاء تحيروا في خلق الشيء من مادة كخلق الإنسان من النطفة والحب من الحب والشجرة من النواة وظنوا أن هذا لا يكون إلا مع بقاء أصل تلك المادة إما الجواهر عند قوم وإما المادة المشتركة عند قوم وهم في الحقيقة ينكرون أن يخلق الله شيئا من شيء فإنه عندهم لا يحدث إلا الصورة التي هي عرض عند قوم أو جوهر عقلي عند قوم وكلاهما لم يخلق من مادة والمادة عندهم باقية بعينها لم يخلق ولن يخلق منها شيء.
النبوات (1
312)
وقال أيضا: والذي ذكرناه من قول أولئك المتكلمين والفلاسفة معنى آخر وهو أن من قال المادة الباقية بعينها وإنما حدث عرض أو صورة وذلك لم يخلق من غيره ولكن أحدث في المادة الباقية فلا يكون الله خلق شيئا من شيء لأن المادة عندهم لم تخلق أما المتفلسفة فعندهم المادة قديمة أزلية باقية بعينها وأما المتكلمون فالجواهر عندهم موجودة وما زالت موجودة لكن من قال إنها حادثة من أهل الملل وغيرهم قالوا يستدل على حدوثها بالدليل لا أن خلقها معلوم للناس فهو عندهم مما يستدل عليه بالأدلة الدقيقة الخفية مع أن ما يذكرونه منتهاه إلى أن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث وهو دليل باطل فلا دليل عندهم على حدوثها وإذا كانت لم تخلق إذ خلق الإنسان بل هي باقية في الإنسان والأعراض الحادثة لم تخلق من مادة فإذا خلق الإنسان لم يخلق من شيء لا جواهره ولا أعراضه وعلى قولهم ما جعل الله من الماء كل شيء حي ولا خلق كل دابة من ماء ولا خلق آدم من تراب ولا ذريته من نطفة بل نفس الجواهر الترابية باقية بعينها لم تخلق حينئذ ولكن أحدث فيها أعراض أو صورة حادثة.
النبوات (1
314)
ومن هنا دخل عليهم إنكار طبائع الأشياء وهذا هو الذي دعاهم إلى القول بتجدد الأعراض فرارا وهروبا من القول بفعل القوى الطبيعية، أو أن يكون العالم صادرًا عن سبب طبيعي.
2 - قالوا " لم يخلق الله منذ خلق الجواهر المفردة شيئاً قائماً بنفسه".
قال شيخ الإسلام: وهؤلاء الذين أثبتوا الجوهر الفرد زعموا أنا لا نعلم لا بالحس ولا بالضرورة أن الله أبدع شيئا قائما بنفسه وأن جميع ما نشهده مخلوق من السحاب والمطر والحيوان والنبات والمعدن وبني آدم وغير بني آدم فان ما فيه أنه أحدث أكوانا في الجواهر المنفردة كالجمع والتفريق والحركة والسكون وأنكر هؤلاء أن يكون الله لما خلقنا أحدث أبداننا قائمة بأنفسها أو شجرا وثمرا أو شيئا آخر قائما بنفسه وإنما أحدث عندهم أعراضا.
مجموع الفتاوى (5
424)
وقال: فأهل الكلام أصل كلامهم في الجواهر والأعراض مبني على مخالفة الحس والعقل فإنهم يقولون إنا لا نشهد بل ولا نعلم في زماننا حدوث شيء من الأعيان القائمة بنفسها بل كل ما نشهد حدوثه بل كل ما حدث من قبل أن يخلق آدم إنما تحدث أعراض في الجواهر التي هي باقية لا تستحيل قط بل تجتمع وتتفرق والخلق عندهم الموجود في زماننا إنما هو جمع وتفريق لا ابتداع عين وجوهر قائم بنفسه ولا خلق لشيء قائم بنفسه لا إنسان ولا غيره وإنما يخلق أعراضا.
النبوات (2
1098)
¥