ولأن العقيدة الإسلامية والشريعة والسنة النبوية وأحكام الإسلام وأصوله والإيمان بالغيب والحلال والحرام والعبادات وعموم تعاليم الدين بصفته المنهج المتكامل للحياة .. كل ذلك إنما تكون عظمته وقوته وهيمنته ومنزلته واهتمام المؤمنين به لأنه كلام الله منزل من الله تعالى وذلك يعتمد على ثبوت الوحي من الله لأحد من خلقه وأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو وحي من الله وأنه لا أثر للإنسان فيه إلا بالتبليغ والتطبيق وطاعة الله وامتثال أمره فيه.
كذلك الرسالات والنبوات والأديان والكتب السماوية إنما تستمد قداستها من كونها وحي من الله تعالى لرسله .. لذا أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا بجميع كتبه ورسله دون تفريق.
ولهذا كله .. حاول المشركون وأهل الكتاب والمنافقون والمرتابون في القديم والحديث التكذيب وإثارة الشبهات حول الوحي والقرآن والسنة بكل وسيلة لزعمهم أنهم بمقدورهم إذا فعلوا ذلك أن يفرقوا بين الله ورسوله وعباده المؤمنين وأن يقطعوا صلة المسلمين بالله تعالى وبكتابه الكريم وسنة رسوله المطهرة.
وسنرى: أن العقلانية الحديثة تضيق كل الضيق بما تراه من خضوع وتقديس للقرآن والسنة واحترامهم للسلف الصالح وتضيق كذلك بما يحاوله المخلصون من العمل على التزام السنة في الحياة وهداية البشرية بمنهجها الرباني القويم
وهاهم أعداء الإسلام في الغرب والشرق (سواء) يحذرون من الدعوة لتطبيق تعاليم القرآن –بصفتها تعاليم الوحي- فيحاربون الإسلام ويخشونه على الإنسانية –بزعمهم- أكثر من خشيتهم من الأسلحة المدمرة وإنما يخشونه على أنفسهم المنحرفة .. ومن أجل المحافظة على أنفسهم ومكاسبهم نراهم يسعون فعلا لتحطيم كل محاولة جادة للعمل على استئناف الحياة الإسلامية في أي بقعة من أرض الله الواسعة ويدرؤون ذلك أكثر مما يدرؤون قيام حرب عالمية.
وكما يخاف أعداء الإسلام من الإسلام كذلك نجد كثيرين من العقلانيين يخافون من العمل بالسنة ومن السلفية.
فللعقلية الحديثة تجاه الوحي عموما تأويلات عدة تدور كلها على تفسيره تفسيرا ماديا وبشريا لا يعدو كونه نشاطا من الأنشطة الإنسانية الفردية وأنه جاء نتيجة تأثيرات روحانية أو قوى عقلية أو انفعالات نفسية أو تأملات باطنية لبعض الأفراد الذين تميزوا بعبقرية فذة في جانب أو أكثر من جوانب الشخصية الإنسانية جعلتهم يصلون إلى ما لا يقدر عليه غيرهم من الإنتاج الفكري والإصلاح الروحي والعملي كما كانت تقول المذاهب الصوفية والفلسفية والباطنية القديمة والحديثة.
هذا مجمل الشبهات التي وردت في القديم والحديث عن الوحي فمعظمها يدور حول هذا المعنى .. سواء كانت حول القرآن بصفة خاصة أو حول الوحي على وجه العموم.
كما أن العقلية الحديثة أكثر جرأة من القديمة فالقديمة إنما حاولت التأويل والتحريف والتعطيل لنصوص الوحي دون أن تتجرأ على إنكار نسبته إلى الله .. أما العقلية الحديثة فقد حاولت إنكار نسبة الوحي إلى الله تعالى أو التشكيك في وإثارة الشبهات حوله.
والعقلية الحديثة كذلك تزيد عن العقلية القديمة .. في شبهاتها حول الوحي بسبب تعلقها بالعلمية المزعومة حيث تزعم أن العلم الحديث لا يعرف ظاهرة الوحي ولا يعترف بها إلا أنها إنسانية من سائر الظواهر الاجتماعية الأخرى أو أنها سمة من سمات المجتمعات المدنية البدائية القديمة التي تؤمن بالخرافة والكهانة والأساطير على حد زعمهم.
أي أن التعلق بالعلم والافتراء عليه ورفع دعوى العلمية وإنكار نسبة الوحي والقرآن إلى الله تعالى من الشعارات العلمانية التي استمدت العقلية الحديثة من الجاهلية الغربية التي قامت على الإلحاد والمادية فهي دعوى جديدة في شكلها وإن كانت قديمة في مضمونها.
وقد تركزت تلك الشبهات العقلية في الوحي والقرآن على الجوانب التالية:
1 - زعمهم أن الوحي –ومن القرآن- جاء نتيجة تأملات باطنية وانفعالات نفسية من قبل الشخص (النبي) الذي تميز بعبقرية فذة وشخصية ممتازة لتأثره بأوضاع البيئة ولما يمتاز به هذا العبقري من طاقة فكرية وعلمية قام بالإصلاح والتعمير والثورة على الأوضاع حتى غير مجرى التاريخ على ضوء تلك التأملات الباطنية التي استمد منها إلهامه.
¥