يقولون: نحن عندنا علم بمجيئه لكن هل حان الوقت وبُعث إليه وأرسلك الله يا جبريل إليه في هذا الوقت؟ أي نحن علمنا بأنه محمداً صلى الله عليه وسلم سيأتي ويدخل لكن ما حُدَِِّدَ لنا الوقت، [فقال: نعم، فقيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء، ففتحت السماء، فلما خَلَصْتُ (أي دخلت إليها وسرت فيها) فإذا فيها آدم، فقال جبريل: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد علي السلام ثم قال لي مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح].
إخوتي الكرام .... ثم عرج به إلى السماء الثانية، ولكنا سنذكر على سبيل الاختصار الأنبياء الذين لقيهم في هذه السموات السبع، ولا أريد أن أستعرض ألفاظ الحديث لأنه في كل سماء لما يستأذن يُقال: أو قد بعث إليه؟ فيقال: نعم، فيفتح له فيقول فإذا فيها فلان من الأنبياء .... ومن أراد نص الحديث فليرجع إليه في صحيح البخاري أو مسلم.
ففي السماء الأولى (السماء الدنيا) نبي الله آدم عليه السلام.
وفي السماء الثانية نبيا الله عيسى ويحيى عليهما السلام.
وفي السماء الثالثة نبي الله يوسف عليه السلام.
وفي السماء الرابعة نبي الله إدريس عليه السلام.
وفي السماء الخامسة نبي الله هارون عليه السلام.
وفي السماء السادسة نبي الله موسى عليه السلام.
وفي السماء السابعة نبي الله وخليله إبراهيم عليه السلام.
الأنبياء كلهم جمعوا لنبينا عليه الصلاة والسلام في بيت المقدس، أما في السموات السبع فما اجتمع إلا بثمانية من الأنبياء (1)
إن قيل: ما الحكمة في الاقتصار على هؤلاء الأنبياء فقط دون غيرهم، وكونهم بهذا الترتيب من السماء الأولى إلى السابعة؟
فنقول:
أما آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فجعل في السماء الأولى ليحصل مباشرة أُنس النبوة بالأبوة، الابن محمد عليه الصلاة والسلام والأب الأول للبشرية كلها آدم عليه الصلاة والسلام، ولم يجعل في السماء الأولى من باب دنو منزلته إنما من باب أن هذا أب أول لجميع البشر، ولذلك فينبغي للابن أن يلتقي بأبيه قبل غيره.
ولذلك لو دخلت بيتك الذي فارقته سنوات ورأيت أخاك ولم تر أباك لن تفرح وتسعد حتى ترى أباك، وهذا مشاهد ومجرب.
ليكون في ذلك إشارة أيضاً – كما قال الحافظ ابن حجر نقلا ً عن السهيلي وابن أبي جمرة – إلى أنك يا محمد بعد هذه الحادثة سيحصل لك ما حصل لأبيك فلا تحزن.
وماذا حصل لآدم؟
خروج من الجنة وهي وطنه، وأنت سيحصل لك خروج من مكة، وبالفعل حصل هذا بعد سنة ونصف، ولذلك قلنا الإسراء وقع قبل الهجرة بسنة ونصف.
وآدم بعد خروجه من الجنة ازداد رفعة، وكان آدم بعد خروجه خيراً منه قبل خروجه (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى)، فاجتباه ربه بعدما خرج، وأما ما حصل منه ف [كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون] وإذا أقلع الإنسان عن معصية وأناب يكون حاله بعد المعصية خيراً من حاله قبل التوبة.
إذن فسيحصل لك ما حصل لآدم وليس في هذا مضرة عليك فكما أن آدم بعد خروجه ارتفع قدره وعلا ذكره ولو بقي في الجنة لما وجدت هذه البشرية التي توحد الله وتعبده فقدر الله له الخروج (ليقضي الله أمراً كان مفعولاً)، وأنت بعد خروجك سيرتفع ذكرك ويعلو أمرك ويظهر دينك وهذا الذي حصل.
لاسيما وقد ذكرنا في الآيات التي رآها في رحلته من مكة إلى بين المقدس أنه أمره جبريل بالصلاة في مكان ثم أخبره أنه صلى بطيبة، ثم قال له وإليها المهاجرة بفتح الجيم، أي ستكون دار لهجرتك، فإذن أخبر في الأرض أنه سيهاجر، فحتى لا يصبح في قلبه شيء ويخاف – هذا من الطبائع البشرية – وحتى لا ينكسر قلبه ويغتم ارتفع به إلى الكمالات وقابل هناك الأب الصالح أول من قابل فكأنه قيل له: الهجرة فيها خير كما حصل في الانتقال لهذا الأب الذي تقابله خير عندما هاجر من الجنة إلى الدنيا.
ولِمَ كان عيسى ويحيى عليهما السلام في السماء الثانية؟
¥