تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الفخر الرازي رحمه الله تعالى يقال إنه متردد في مسألة تعليل الأحكام، قال الدكتور يوسف البدوي في مقاصد الشريعة عند ابن تيمية ص150: " ومن هؤلاء الذين ترددوا الرازي، حيث تراه في تفسيره يقرر أن الله لا يفعل فعلاً لغرض، لأنه لو كان كذلك كان مستكملاً بذلك الغرض، بينما في محصوله يؤكد على أنه تعالى ما شرع الأحكام إلا لمصلحة العباد والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه الرازي ولا غيره (1) ".

وقد نسب إلى الرازي القول بنفي التعليل في الأحكام الإمام الشاطبي في الموافقات (2/ 9 - 12) فقال: "وزعم الفخر الرازي أن أحكام الله ليست معللة بعلة ألبتة، كما أن أفعاله كذلك، وأن المعتزلة اتفقت على أن أحكامه تعالى معللة برعاية مصالح العباد، وأنه اختيار أكثر الفقهاء المتأخرين، ولما اضطر في علم أصول الفقه إلى إثبات العلل للأحكام الشرعية، أثبت ذلك على أن العلل بمعنى العلامات المعرفة للأحكام خاصة، ولا حاجة إلى تحقيق الأمر في هذه المسألة ".

لكن اعترض عليه محقق الكتاب الشيخ مشهور سلمان فقال: " في نسبة نفي التعليل للرازي وقفة، وقد تابع المصنف في زعمه المذكور الشيخ علال الفاسي في كتابه "مقاصد الشريعة" "ص 7 - ط دار الغرب"، وأحمد الخلميشي في كتابه "وجهة نظر" "ص 286"، وبنى عليه حَشْرَ الرازي مع الظاهرية في صفٍّ واحد.

ويمكن توضيح موقف الرازي من هذه القضية كالآتي:

أولا:

إنه ينكر التعليل الفلسفي في كتاباته الكلامية، وصرح بهذا في "تفسيره" "2/ 154" عند قوله تعالى في [البقرة: 29]: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}.

ثانيا:

هذا الإنكار منه ومن الأشاعرة كان فرارا من المقولات والإلزامات الاعتزالية، التي تجعل القول بالتعليل مقدمة للقول بوجوب الصلاح والأصلح على الله.

ثالثا:

يرى تعليل الأحكام الشرعية تعليلا أصوليا فقهيا، ليس فيه إلزام لله سبحانه، وليس فيه تحتيم على مشيئته، وصرح بهذا ودافع عنه بقوة في كتابه "المحصول" "2/ 2/ 237 - 242، 291"، بل قال في "مناظراته" "25": "وأما بيان أن التعليل بالأوصاف المصلحية جائز، فهذا متفق عليه بين العقلاء".

رابعا:

نفي المصنف في نقله هذا عن الرازي ما أثبته هو، إذ كلامه في مقام التعليل الأصولي لا الفلسفي، وقد فرق بينهما ابن الهمام بقوله في "التحرير" "3/ 304 - 305 - مع التيسير": والأقرب إلى التحقيق أن الخلاف لفظي، مبني على معنى الغرض، فمن فسره بالمنفعة العائدة إلى الفاعل، قال: لا تعلل، ولا ينبغي أن ينازع في هذا، ومن فسره بالعائدة إلى العباد، قال: تعلل، وكذلك لا ينبغي أن ينازع فيه"

وانظر في الفرق بينهما: "التحرير والتنوير" "1/ 379 - 381" لابن عاشور، و"ضوابط المصلحة" "96 - 97" للبوطي

خامسا:

ما لم يستقم التوفيق المذكور، فنردد مع شيخ الإسلام ابن تيمية قوله في "مجموع الفتاوى" "6/ 55": "أما ابن الخطيب- وهو الرازي، فكثير الاضطراب جدا، لا يستقر على حال، وإنما هو بحث وجدل بمنزلة الذي يطلب ولم يهتد إلى مطلوبه، بخلاف أبي حامد، فإنه كثيرا ما يستقر".

سادسا:

المشهور عن الرازي القول بأن الأحكام الشرعية معللة، نقل ابن القيم في "إعلام الموقعين" "2/ 75" عنه، قال: "غالب أحكام الشريعة معللة برعاية المصالح المعلومة، والخصم إنما بين خلاف ذلك في صور قليلة جدا، وورود الصورة النادرة على خلاف الغالب لا يقدح في حصول الظن" " اهـ كلامه.

وقصدي: أنه يمكن أن نقف وقفة كهذه مع كلام الخطيب البغدادي، نحاول الجمع فيها بين كلامه، لا أن نرميه بالتناقض من أول وهلة.

هذا ما قصدته والله أعلم


(1) قال في تفسير ه: " يحتمل أنه لما ثبت بالاستقراء أنه تعالى لا يأمر إلا بما يكون مصلحة للعباد، ولا ينهي إلا عما يكون مفسده لهم ".

ـ[فيصل]ــــــــ[17 - 02 - 09, 06:35 م]ـ
بارك الله فيك على النقل عن الشيخ مشهور وفقه الله ولكنه نقل يحتاج لتعقيب خاصة النقاط 3 و4 و5 ... وسأجعل التعقيب مفصلاً هذه المرة مع النقل عن من هو -عندي وعند هذا الشيخ الفاضل -من أفضل من تكلم في هذا الباب العظيم ...

على أي حال "الأمر" الذي لا تزال تظن وتصر أخي الكريم على أنه "ممكن"، وذكرت له مثالاً، هو في نظر أخيك بعيد جدا بل إن شئت فقل "باطل" ولست إن شاء الله ممن يخوض في هذه المسائل بطريقة ""أول وهله"" يعلم هذا من يعلمه من الإخوة الفضلاء هنا، غفر الله لي ولهم.

بارك الله في مشايخنا وغفر الله لنا ولكم وللحديث بقية

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير