تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فعلى الأشاعرة المعاصرين واجب كبير، هو أن يكفوا عن العمل ببدعة الضلالة: بدعة الكلام، كما قال إمامهم الكبير، وأن يدرسوا ما دان به سلف هذه الأمة دراسة واعية مستبصرة؛ ـ وهو دين الحق الجلي من الكتاب والسنة ـ؛ ليحققوا بهذه الدراسة، وبالإيمان عن بينة ما دعاهم إليهم إمامهم الكبير الجويني، وهو: وجوب الاتباع، وترك الابتداع.

رأي الغزالي

وأبو حامد الغزالي أشعري كبير، وله صفة أخرى ألصق به من أشعريته هي: أنه صوفي كبير!! ولكننا هنا سنأخذ عن "أشعريته" التي تعلمها على يد أستاذه "الجويني". أما صوفيته الإشراقية، فسنترك لغيرنا الحكم عليها في ترجمته.

يقول في كتابه "إلجام العوام عن علم الكلام": " اعلم أن الحق الصريح الذي لا مِراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف ـ أعني الصحابة والتابعين" (25)، ثم قال: "إن البرهان الكلي على أن الحق في مذهب السلف وحده ينكشف بتسليم أربعة أصول مسلمة عند كل عاقل" وإليك موجزاً عن هذه الأصول التي ذكرها الغزالي.

الأصل الأول: أن النبي – صلى الله عليه وسلم ـ هو أعرف الخلق بصلاح أحوال العباد، بالإضافة إلى حسن المعاد.

الأصل الثاني: أنه بلغ كل ما أوحي إليه من صلاح العباد في معادهم ومعاشهم، ولم يكتم منه شيئاً.

الأصل الثالث: أن أعرف الناس بمعاني كلام الله، وأحراهم بالوقوف على كنهه، وإدراك أسراره هم أصحاب الرسول الذين شاهدوا الوحي والتنزيل، ولازموا الرسول آناء الليل والنهار، مسخّرين أنفسهم لفهم معاني كلام الوحي، وتلقيه بالقبول للعمل به أولاً، ولنقله إلى الذين بعدهم ثانياً. وللتقرب إلى الله بسماعه وفهمه وحفظه ونشره. ثم يقول: "ليت شعري أيُتَّهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بإخفائه (26) ـ يعني الوحي ـ وكتمانه عنهم؟ حاشا منصب النبوة عن ذلك. أو يُتهم أولئك الأبرار في فهم كلامه، وإدراك مقاصده، أو يُتهمون في إخفائه وإسراره بعد الفهم، أو يُتهمون في معاندته من حيث العمل، ومخالفته على سبيل المكابرة مع الاعتراف بفهمه وتكليفه، فهذه أمور لا يتسع لتقديرها عقل عاقل".

الأصل الرابع: إن أصحاب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في طول عصرهم إلى آخر أعمارهم ما دعوا الخلق إلى التأويل، ولو كان التأويل من الدين أو علم الدين؛ لأقبلوا عليه ليلاً ونهاراً ودعوا إليه أولادهم وأهلهم.

وبعد هذه الأصول المحكمة المسلّمة فعلاً عند كل مسلم يُصدر الغزالي هذا الحكم الصادق الحق الخاص بالسلف: "نعلم بالقطع من هذه الأصول أن الحق ما قالوه، والصواب ما رأوه (27) ". ولا ريب في أن كل أصل من هذه الأصول التي أجاد الغزالي في بسطها وعرضها توجب على كل مسلم أن يتبع، لا أن يبتدع. فعلى أشاعرة العصر الحديث، أو على الخلفيين واجب كبير أذكرهم به مرة أخرى، هو: أن يدرسوا مذهب السلف الذي أكد الغزالي أنه وحده هو الصواب والحق والهدى، وأن ما سواه خطأ وباطل وضلالة، دون أن يعتمدوا على الغزالي، فإنه بعد هذا التمجيد للسلف قد نسب إليهم آراء باطلة يبرأ منها صفوة السلف، فأثبت أنه لا يفقه دين السلف!.

وفي كتابه " فصل التفرقة بين الكفر والزندقة" يعرّف البدعة بأنها عبارة عن إحداث مقالة غير مأثورة عن السلف، ثم يتبع هذا بالحديث عن مقامين، فيقول: " يتضح لك أن ها هنا مقامين. أحدهما: مقام عوام الخلق، والحق فيه الاتباع والكف عن تغيير الظواهر رأساً، والحذر عن إبداع التصريح بتأويل لم تصرح به الصحابة، وحَسْمِ باب السؤال رأساً، والزجر عن الخوض في الكلام والبحث، واتباع ما تشابه من الكتاب والسنة. كما روي عن مالك - رحمه الله- أنه سُئل عن الاستواء، فقال: "الاستواء معلوم، والإيمان به واجب، والكيفية مجهولة، والسؤال عنه بدعة" ثم يتكلم عن المقام الثاني فيقول: "المقام الثاني بين النظار الذين اضطربت عقائدهم المأثورة المروية، فينبغي أن يكون بحثهم بقدر الضرورة، وتركهم الظاهر بضرورة البرهان القاطع (28) ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير