ودليل هذا الإجماع ما ثبت في صحيح مسلم وسنن الترمذي وابن ماجه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال [واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا] هذا لفظ ابن ماجه.
ولفظ الإمام مسلم في صحيحه (18/ 56 – بشرح النووي): [تعلموا (أي اعلموا) أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت].
وهذا الحديث ذكره نبينا عليه الصلاة والسلام عند معرض ذكره للدجال عليه لعنة ذي العزة والجلال لأن الدجال يدعي أنه الرب، فيقول لنا النبي صلى الله عليه وسلم يكفي في بطلان دعواه أن الله لا يرى في هذه الحياة الدنيا ولا يراه أحد من المخلوقات فيها فـ[اعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا]، والدجال أعور وربكم ليس بأعور.
فإن قيل: لماذا لم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم ضمن هذا الكلام لأنه عام يشمل كل أحد؟
فالجواب: أن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه فيوجهه لغيره ويستثنى هو من الكلام فلا يشمله فذلك لم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم ضمن هذا الكلام.
ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/ 96) حيث قال بعد ذكر الحديث من رواية الإمام مسلم المتقدم "وفيه تنبيه على أن دعواه الربوبية كذب، لأن رؤية الله مقيدة بالموت والدجال يدعي أنه الله، ويراه الناس مع ذلك، وفي هذا الحديث رد على من يزعم أنه يرى الله في اليقظة تعالى الله عن ذلك،ولا يرد على ذلك رؤية النبي صلى الله عليه وسلم له ليلة الإسراء لأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم فأعطاه الله في الدنيا القوة التي يُنعم الله بها على المؤمنين في الآخرة".
فذكر هنا أن الله خص نبينا عليه الصلاة والسلام بهذا، وفي (8/ 608) منه – أي من فتح الباري في كتاب التفسير في تفسير سورة النجم تعرض لهذا المبحث، فقال: "فإن جازت الرؤية في الدنيا عقلاً فقد امتنعت سمعاً، لكن من أثبتها للنبي صلى الله عليه وسلم له إن يقول: أن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه".
فإذن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشمله العموم السابق فهو مستثنىً، وهذا كما أنه صلى الله عليه وسلم أخبر هذه الأمة بأنه لا يحل لهم أن يجمعوا بين أكثر من أربع نسوة وقال لمن أسلم وعنده تسع نسوة [اختر أربعاً وفارق سائرهن]، فهو لم يدخل في هذا الكلام بل له حكم خاص خصه الله به.
وهنا في هذا الحديث لا يدخل النبي صلى الله عليه وسلم في عموم هذا الكلام ولا يقال إنه لن تحصل الرؤية حتى يموت صلوات الله عليه وسلامه.
وعليه فقد اختلف أهل السنة في مسألة رؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لربه ليلة الإسراء والمعراج على أربعة أقوال أذكرها على سبيل الإجمال ثم أفصل الكلام فيها عازياً كل قول لأهله من أهل السنة والسلف مبيناً دليله، مرجحاً – بعد ذلك – ما يظهر لي أنه راجح والعلم عند الله.
القول الأول: حصلت الرؤية بعيني رأسه صلى الله عليه وسلم.
القول الثاني: حصلت الرؤية بقلبه.
القول الثالث: لم تحصل الرؤية.
القول الرابع: التوقف، فلا نقول حصلت له، ولا نقول: لم تحصل.
وسنفصل الكلام فيها الآن:
المحاضرة الخامسة عشر 9/ 4/1412هـ
القول الأول:
أن رؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لربه جل وعلا حصلت بعيني رأسه:
قال بهذا جمّ غفير من أئمة الإسلام، منهم: الإمام الحسن البصري، وكان يحلف على ذلك وقد أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (7/ 381) في ترجمة العبد الصالح إبراهيم بن طهمان وهو من رجال الكتب الستة ثقة وفوق الثقة، توفي سنة 163هـ، أورد في ترجمته أنه كان يقول: "والله الذي لا إله إلا هو لقد رأى محمد عليه الصلاة والسلام ربه".
قال الإمام الألوسي في روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع مثاني (27/ 54): "وأنا أقول برؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لربنا".
وهذا القول قال به الإمام السخاوي وهو تلميذ الحافظ ابن حجر وصاحب كتاب المقاصد الحسنة التحفة اللطيفة في أخبار المدينة الشريفة (1/ 30).
¥