طُوَيِّشٌ منْ نفرٍ أطْياشِ ... أطيشُ من طائرة الفَراشِ
وقال آخر:
وقدْ كانَ أقوامٌ رددتَ قُلُوبَهُمْ ... إليهم وكانوا كالفراشِ من الجَهْلِ ..
لاحظ كيف استعملت الكلمة في سياق الذم والتقبيح والتنفير ... فينتزع منها العربي معاني التهافت على الموت والطيش في السلوك وانعدام التعقل والتمييز في السير ...
ولن تفهم وجه الشبه في الآية حتى تعي هذه المعاني الإيحائية كلها ...
هذا الذي حصل لكلمة فراش يحصل لكلمات أخرى كثيرة .. فلا يؤمن إذن على الخلف أن يقعوا ضحية الشحن والإفراغ، وهذا دليل قاطع على أن فهم السلف هو الفهم الصحيح السليم ..
ب-أما الفهم الثاني المعبر عنه ب "فهم يعطى رجل في كتابه" فنعني به الفهم الذي هو منحة إلهية وهو غير مشروط بالخبرة اللغوية العميقة بقدر ما هو مشروط بزكاة النفس وقوة الإيمان ورقة القلب .. ولتوضيح ذلك نقارن بين فهم الصديق وفهم أبي جهل:فقد يستويان في الفهم بالنظر إلى الوجه الذي تعرفه العرب من كلامها، ولكننا متيقنون من أن أبا بكر قد أعطاه ربه فهما إيضافيا حرم منه أبو جهل بسبب النفس الطيبة عند الأول والنفس الخبيثة عند الثاني ..
وهذا أمر ملحوظ مشاهد في الناس فترى الرجل الأمي يخفق قلبه وتذرف عيناه لسماع آية،وبجواره أستاذ البلاغة لا تحرك فيه ساكنا!!!
ونحب أن ننهي هذا المقال بسؤالين:
-هل نحن اليوم أعلم بالعربية من السلف؟
-هل نحن اليوم أتقى وأصفى قلوبا منهم؟
فإن كان الجواب نفيا فهو الدليل على أن فهمهم لا يضاهي ولا ينافس .. كيفما أدرت معنى الفهم .. فالجواب بالنفي على السؤال الأول يجعل فهمك في مرتبة أدنى مثل مرتبة الكسبي من الغريزي ...
والجواب بالنفي عن السؤال الثاني يجعل فهمك مرة أخرى في مرتبة دنيا ... فالله حكيم وكتابه عزيز فالمنتظر منه-عز وجل-أن يمنح للأتقى أكثر مما يمنح لغيره ..
وليس للمرء إلا أن يذعن لهذه الحقيقة رغم كبرياء النفس:
"فهمهم أفضل من فهمنا"
ـ[عبدالسلام الأزدي]ــــــــ[22 - 02 - 09, 07:51 ص]ـ
أسأل الله تعالى أن يجمعنا بكم مع سلفنا في جنات ونهر
متابع بشوق لقلمكم الأخاذ
جزاكم الله خيرًا يا شيخ!
ـ[أبو فالح عبدالله]ــــــــ[09 - 08 - 10, 12:39 م]ـ
فتح الله عليك .. وجزاك الله خيراً
أبا عبدالمعز، لو أمكنك أن تكتب لنا تأصيل في علوم البلاغة (العملية) أو سرد لأهم مصادرها ومؤلفيها المحققين.
فنحن داعون لك بالسعادة والفلاح ..