الأمر الأول: التعلق بالرؤى والأحلام والمصادر الوهمة في المعرفة كالهواتف والإسراء والمعراج إلى السماء والحكايات والقصص ونحوها في بناء العقائد والتصورات والأحكام , فقد تعلق الصوفية بهذه المصادر في كثير من شؤونهم الدينية والحياتية , فكم من ورد ودعاء بنوا مشروعيته على رؤيا رآها الولي في منامه أو في يقظته , فجعلها عبادة من أعظم العبادات تترتب عليها أعظم الأجور , إلى درجة أن المحافظ عليها يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب!! , وكم حُكِمَ بناءً على تلك الطرق الوهمية من أحكام على المعيننين بالتزكية أو الفلاح أو الخسران! وكم حُدِدَ بناءً عليها من موضع لقبور الأولياء والصالحين , وحُددت فضائل زيارتها.
فقد اعتمد الصوفية على هذه المصادر وجعلوها مستندا لهم في كثير من أقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم , فلا تكاد تقرأ كتابا من كتبهم في التراجم والسير إلا ويستوقفك سيل عارم من تلك القصص التي فيها أن وليا سمع هاتفا يقول له كذا وكذا , فيأخذه الولي ويجعله دينا يدين الله به , أو أن وليا رأى الخضر يمشي في الطريق وأخذ منه وردا يترتب عليه من الأجر كذا وكذا , أو أن صالحا كان يمشي في أرض خالية فسمع صوتا لا يعرف مصدره يأمره بأمر ما , ثم يُرَوج هذا الأمر على أنه من مصدر معصوم.
إن التعلق بمثل هذه الهواتف والرؤى يفتح الباب على مصراعيه لولوج الخرافة والأساطير إلى عقول الناس وقلوبهم؛ لأنه يدعوهم إلى تصديق أخبار لا يعلمون مصدرها ولا قائلها , فمن كان يصدق بذلك , فكيف تريد منه أن ينكر الخرافة أو يبتعد عنها؟!.
الأمر الثاني: الغلو في الأشخاص , فالغلو في الأشخاص عند الصوفية بلغ مبلغا عظيما لا يضاهيهم فيه إلا الشيعة , فقد بلغ بهم الغلو حتى أضفوا على الولي صفات الباري سبحانه وتعالى , فالولي يرتقي في ولايته حتى يقول للشيء كن فيكون! , فهو يتصرف في الكون ويعلم ما تخفي الصدور , وما يكنه المريد في قلبه من موافقة شيخه أو مخالفته! , والولي يعطي الرزق والولد ويغفر الذنب والزلل , والولي يخالف أوامر الله تعالى ويفعل الأشياء الغريبة ولا يُنكر عليه.
والولي عندهم له اتصال مباشر بالله تعالى وبالرسول r وبالخصر عليه السلام , والولي هو الذي يحفظ المسافر ويرد الغائب , وهو الذي يشفي المريض ويعافي المبتلى , والولي هو الذي ينصر على الأعداء ويحدد موقفنا منهم , فإذا نزل العدو بساحتنا فليس علينا إلا أن نذهب إلى سدنة الولي حتى يشاوروه في حالنا , وفي أحيان كثيرة يخرج السادن إلى الناس ويخبرهم بأن الولي لم يأذن في قتال الغازي ويأمر بتركه وعدم الاعتراض له!.
وكل هذه الأشياء يفعلها الولي بإذن الله تعالى كما يقولون! , وما أدري كيف علم أولئك بأن الله تعالى أذن للولي؟! , وبأية حجة نسبوا إلى الله تعالى ذلك الإذن؟! , فهل سأل القائلون بهذا القول أنفسهم عن موقف العقلاء من هذه الدعوى , وهل تنبهوا أن للناس عقولا يحاكمون إليها الدعاوى ويميزون تصحيحها من ضعيفها , وأن عندهم النصوص الشرعية التي تدل على بطلان تلك الدعوى وكذبها.
إن شيوع مثل هذه الأوصاف عن الأولياء في المجتمعات الإسلامية من أكبر الأسباب في انتشار الخرافة والتخبط الفكري والتوهم المعرفي , وذلك أن الناس يتعلقون بأشياء لا حقيقة لها , ويرجعون إلى أناس لم يسمعوا كلامهم ولم يدركوا شيئا مما يُنسب إليهم إلا مجرد أخبار واهية.
الأمر الثالث: التعلق بالخوارق والكرامات , فمن يتأمل في طبقات الصوفية وكتب التراجم التي أُلفت في سير الأولياء والصالحين , ومن يستمع إلى مجالس الذكر عندهم يستوقفه كثرة الكرامات التي لا يكاد ولي من الأولياء إلا وله عدد كبير منها , خوارق غربية كل الغرابة , وبعيدة كل البعد عن العقل , بل وبعضها ظاهر كل الظهور في مخالفة النصوص الشرعية , ومع هذا يذكرونها على أنها كرامة يكرم الله تعالى بها أولياءه , فعلقوا قلوب الناس بالأشياء المخالفة للضرورات والحسيات , وربطوا عواطفهم بما يخرج عن حياتهم الطبيعية القريبة!.
ومن يخالفهم في المنكر منها حكموا عليه بأنه ينكر الكرامات ويقيد قدرة الله تعالى , وغفلوا عن أن المخالفة ليست في أصل الكرامة ولا في الصحيح منها , إنما في تلك الكرامات الغربية التي ينبغي لكل عاقل من الصوفية وغيرهم إنكارها.
¥