تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد غفل الصوفية عن أنهم بفعلهم هذا قد استخفوا بالكرامات وحقروا من شأنها وفتحوا الباب للاستخفاف بها وعدم قبولها من أصلها؛ لأنهم لم يراعوا فيها لا العقل ولا الشرع ولا الفطرة ولا الأخلاق الفاضلة.

فمن كراماتهم ما يتضمن أن الولي يتقلب في خلقته على أشكال مختلفة , فذكروا عن بعض الأولياء أنه تارة يكون وحشا وتارة يكون فيلا وتارة يكون صبيا صغيرا!! , هكذا يتقلب في خلقته على أنه كرامة له , وذكروا عن بعض الأولياء أن الله أعطاه التصرف في كل من حضر عنده فلا يضحك ولا يبكي ولا يقوم ولا يقعد إلا بإذن الولي , ولما شك بعض الحضور في قدرته على ذلك أمره الولي بالقيام فلم يستطع , فقال له الولي: ألم تعلم أن قلوب الخلق بين أيدينا كالمصابيح من وراء الستارة نشهدها رأي العين!!.

إن مجتمعا تشيع فيه مثل تلك الأخبار المخالفة للعقل والواقع والشرع والفطرة , وتشيع فيه على أنها كرامة لا بد أن يصدق بها , وإلا سيعاقب العقاب الشديد , لهو مجتمع أسير للأوهام وسيتقبل الخرافة بكل سهولة؛ لأنه ربي على قبول ما يخالف العقل والشرع بحجة أنها كرامة للولي , وهي تطرق سمعه كل حين.

الأمر الرابع: التأويل الباطني والرمزي , فقد شاع عند الصوفية التأويل الباطني للنصوص بحجة أن الشريعة منقسمة إلى ظاهر لا يصلح إلا للعوام من الناس , وباطن وحقيقة لا تصلح إلا للخواص منهم , وأضفوا على هذا التقسيم قداسة وأهمية بالغة بحيث غدا من أصول الطريقة عندهم , ومن أركان منهج الاستدلال لديهم , وغدا هذا التقسيم سبيلا لتبرير قبول ما يخالف ظواهره النصوص من الأقوال والأفعال , وما يخالف العقول السليمة أيضا , وأخذ كثير منهم ينص على أن الشريعة منقسمة إلى ظاهر وباطن , وأن من ينكر تلك الأقسام إنما أُتي من جهله بتلك الأسرار العالية التي لا يدركها إلا الخلص من الناس.

فماذا بقي أمام الخرافة من أن تصل إلى عقول الناس بعد أن شُحنت بتلك التوهمات , فقيل لهم إنه يجب عليكم أن تصدقوا بكل ما يصدر من الولي والصالح , ولو كان مخالفا للشرع أو العقل أو الأخلاق؛ لأن الولي عنده حقيقة لا تعلمونها ولم تبلغوها! , فماذا بقي عن باب الخرافة أم يفتح على مصراعيه لتسلك إلى قلوب الناس وعقولهم بعد شيوع هذه الأفكار الهدامة وانتشارها.

الأمر الخامس: التعبد بالطلاسم والحروف السرية والسجعات متكلفة التي اشتملت عليها الأذكار والأوراد عند الصوفية , والأسماء الغريبة التي يقولون إنها أسماء للجن, فقد كثر في أوراد الصوفية وأذكارهم التراكيب الغربية التي ليس لها معنى أصلا , والطلاسم المستوحشة التي لا يكاد يستطيع المرء النطق بها , وجعلت دليلا على أهمية الذكر وكثرة ثوابه وكبير تأثيره.

ففي بعض أوراد القادرية: " ياطهلفوش انقطع الرجاء إلا منك ... " , وفي بعضها:"ايتنوخ ياملوخ .... يامهباش" , وفي بعض أوراد الشاذلية:" أحون , قاف , أدم , حم , ها , آمين , كهيعص" , وفي بعضها:" قاف جيم سران مع سرك " , وفي بعض أوراد البدوي:" بدعق , محببة , صورة محببة , سقفاطيس أحون " , وفي بعض الأوراد الختمية نداء للأرواح الروحانية العلوية والسفلية إلى أن يصل فيها إلى أسماء أعجمية غريبة فيذكر شمخاهر وشمهاهير والأغلاغيطال , أهـ ياه هيوه بقطريال , وغيرها , فقلب يُعلق بهذه الخرافات والطلاسم على أنها أذكار فاضلة شرعها الله تعالى لعباده , وأوراد يصل بها المريد إلى ربه كيف يراد منه أن يتنكر للخرافة وللانتهاك الفكرية وهو غارق فيها إلى أخمص قدميه؟!!.

الأمر السادس: التزهيد في طلب العلم الشرعي والتحقير من شأن علماء الشريعة , فالصوفية لما أدركوا أن علومهم ومعارفهم لا تتماشى مع دلالات النصوص ومقتضياتها وقد اشتد إنكار الفقهاء وأتباع المذاهب عليهم في شطحاتهم , أخذ بعضهم يزهد الناس في طلب العلم الشرعي بحجة أنه طريق طويل لا يؤدي إلى الحقيقة , وبحجة أن الولي الكامل يحصل العلم من طرق أكمل , فالولي يأخذ علومه من الله تعالى مباشرة أو من الرسول r أو من الخضر أو من اللوح المحفوظ , وقد بلغ الحال ببعضهم إلى أن جعل من آفات المريد طلب الحديث , وأوصى بعضهم ألا يتعلم الصوفي العلم , وجعل بعضهم طلب العلم من الركون إلى الدنيا , بل جعله من الأمور التي تحجب عن الله تعالى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير