ولا شك إن هؤلاء الصوفية المانعون من طلب العلم الشرعي , والذين زهدوا الناس فيه يتحملون أعظم الوزر في تأخر المسلمين وانحطاطهم وتأخرهم في الإنتاج والتقدم , واستيلاء الأعداء عليهم , فقد تقدم ركب الحضارة ونشط الغرب وأبدع في ميادين العلم والاختراع التي جعلت منه ماردا يصول ويجول في العالم الإسلامي , ذلك العالم الذي سيطرت عليه الأوهام والخرافات , واكتفى في بعض البلاد في صد العدو القادم إليه بقراءة صحيح البخاري في المسجد بناءً على نصيحة بعض الأولياء , أو باستشارة الولي الميت في قبره منذ كذا وكذا.
الأمر السابع: شيوع روح الجبر والاستسلام , فقد غلبت الروح الجبرية والسلبية على أكثر الصوفية في العصور المتأخرة , مما أثر ذلك على تفكير الأمة وجعلهم يعتقدون أنهم مسيرون: إما من الله تعالى ,وإما من الولي المقبور في قبره منذ كذا وكذا , ونتج من ذلك اعتقاد أنه لا فائدة من البحث والتنقيب والإبداع ومحاولة التجديد في العلوم والمعارف في شؤون الحياة , بل والأغرب أنه لا فائدة حتى من مقامة الأعداء الغازين؛ لأن الله شاء ذلك , فالأفضل الاستسلام لهم؛ لأنه في الحقيقة استسلام لما أراده الله تعالى.
إن هذه الأمور كلها موجودة في التصوف وشائعة بين أهله , وهي مع مخالفتها الظاهرة للنصوص تؤهل الصوفية لأن تكون رائدة في نشر الخرافة في المجتمع المسلم بامتياز , ويجعلها أكبر مسوق للخيالات والتوهمات الزائفة في عقول الأمة.
إن الصوفية باجتماع تلك الأمور فيها أكبر ناشر لجرثومة العقول ومبدد لطرق التفكير السليمة , التي تؤدي إلى انتهاك الفكر واغتيال طرقه , وهذا كله يستوجب على المصلحين ألا يتهاونوا في إصلاح ما أُفسد وحماية ما يمكن أن يَطاله الفساد.
ومما ينبغي أن يذكر هنا أن من الصوفية من أردك شناعة تلك الخرافات فحاول أن ينشأ اتجاها جديدا في التصوف يُعنى بالأمور العلمية , ويحاول الابتعاد عن تلك الأمور الغربية عن العقل والنقل والفطرة , فأخذ يؤلف في التصوف وتراتيبه , ولا يذكر شيئا مما يستغرب أو ينكر , ولكنه لم تكن عنده الشجاعة في النقد والصراحة في التبرؤ من كل تلك الأمور , وأكثر الأساليب التي يطرقها ذلك الاتجاه هو الاقتصار على عدم ذكر الأمور الخرافية في التصوف , ولم يكن من منهجهم ضرورة التصريح بإنكار المنكر التي اشتمل عليه التصوف وبيان أدلة بطلانه , ولا الحكم عليه بما يوجب رده كما فعل ما يسمون بتيار التصحيح في الفكر الشيعي , فإن هذا التيار ظهر فيه رجال كانت عندهم الشجاعة الكافية فصرحوا ببطلان قدر من عقائد الشيعة الكبار وبينوا أدلة بطلانها وأعلنوا براءتهم منها , وألفوا الكتب النقدية لأصول التشيع , ولكن الصوفية لم يوجد هذا التيار فيهم حتى الآن مع حاجتهم لذلك , فقد امتلئ مذهبهم بالخرافات وتشبع الخيالات وطفح بالتوهمات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
([1]) تفسير المنار , لرشيد رضا (2/ 61).
([2]) أعمال ابن باديس , بواسطة: التصوف منشؤه ومصطلحاته , للسحمراني (166).