تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[إخوان بلعام]

ـ[آبو ريّان الفيفي]ــــــــ[23 - 02 - 09, 08:05 ص]ـ

أضحى (بلعام) زنديقاً ملحداً خبيثاً، وكان قبلُ رجلاً صالحاً مجاب الدعوة، ولأجل لعاعة الدنيا انتكس (بلعام)، وانسلخ من آيات الله (1) كما تنسلخ الحية من جلدها، فلحقه الشيطان وأدركه، فصار من الغاوين الذين يعرفون الحق ويعملون بخلافه. قال - عز وجل -: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 571 - 671].

إن اتِّباع الهوى والرُّكون إلى الدنيا والإخلاد إلى الشهوات سبيل الخذلان (2). ومحبة الدنيا قد تكون مطيّةً لردَّة العالِم عن الإسلام (3).

قال ابن القيّم في بيان هذه الآيات: «وفي تشبيه مَنْ آثر الدنيا وعاجلها على الله والدار الآخرة مع وفور علمه بالكلب في حال لهثه؛ سرٌّ بديع، وهو أن هذا الذي حاله ما ذكره الله من انسلاخه من آياته واتِّباعه هواه؛ إنما كان لشدة لهفه على الدنيا؛ لانقطاع قلبه عن الله والدار الآخرة، فهو شديد اللهف عليها، ولهفه نظير لهف الكلب الدائم في حال إزعاجه وتركه».

إلى أن قال: «وقوله - سبحانه -: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} فأخبر - سبحانه - أن الرفعة عنده ليست بمجرد العلم، فإن هذا كان من العلماء، وإنما هي باتِّباع الحق وإيثاره، وقصد مرضاة الله، فإن هذا كان من أعلم أهل زمانه، ولم يرفعه الله بعلمه، ولم ينفعه به، نعوذ بالله من علم لا ينفع» (4).

وأفراخ (بلعام) على هذا السَّنَن؛ فابن الراوندي - الهالك سنة 298هـ - «معتمَد الملاحدة والزنادقة» (5) - كما سمَّاه ابن الجوزي - يصنِّف كتاباً لليهود ردّاً على الإسلام نظير أربعمائة درهم دفعوها له، فلما قبض المال رام نقضه، حتى أعطوه مائة درهم أخرى فأمسك عن النقض (6)!

وعبد الله بن علي القصيمي (ت 1416هـ) سطَّر مؤلفات في نصرة الإسلام والسنة، ثم انسلخ من ذلك كله، فصار من دعاة الردة والإلحاد، وقد ذكر معاصروه سبب انسلاخه أنه ارتشى من بعض الجهات المحاربة للأديان (7)، لا سيما مع شظف عيشه في السابق وشغفه بالمال في اللاحق (8).

ولا يزال (البلعاميون) الجدد يقتاتون من سفارات مأبونة وجهات موبوءة سواء كان ذلك بالأصالة أو بالوكالة.

وإن زينة الدنيا وبريقها سبب انتكاس، وسبيل ارتكاس. قال - عز وجل -: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [النحل: 701].

وكذا الولوغ والانغماس في شهوات النساء من ذرائع الرِّدة وطرائقها، ولذا حذّر المصطفى صلى الله عليه وسلم من فتنة المال والنساء بقوله: «إن الدنيا حلوة خضِرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» أخرجه مسلم.

فهذا صالح «المؤذن» كان معروفاً بالصلاح، ثم تنصَّر وارتدَّ عن الإسلام ومات على ذلك؛ لأجل نظرة فاتكة إلى امرأة نصرانية (9).

وعبده بن عبد الرحيم ممن جاهد الصليبيين، ثم انسلخ من الإسلام والسنة والجهاد؛ إذ عشق نصرانية، ومات على دين الصليب سنة 278هـ (10).

واستحوذ على ثالثٍ الهيامُ بغلام اسمه (أسلم)، فكان التشريك والكفر آخر كلامه من الدنيا (11)؛ نعوذ بالله من الحَوْر بعد الكَوْر.

وذكر ابن حزم أن (النّظَّام) - من رؤوس المعتزلة - عشق فتى نصرانياً، فوضع له كتاباً في تفضيل التثليث على التوحيد: «فيا غوثاه! عياذك يا ربِّ من تولُّج الشيطان ووقوع الخذلان» (12).

والانكباب على الشبهات والإغراق في الوساوس والشكوك يؤول إلى الردة والانسلاخ عن الإسلام، فالجهم بن صفوان صاحب خصومات، لقي أناساً من المشركين يقال لهم: «السُّمنية» فشككوه في دينه، فتحيَّر الجهم، ولم يدرِ من يعبد أربعين يوماً، ثم أظهر تعطيل الأسماء والصفات (13).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير