ـ[محمد جلال القصاص]ــــــــ[24 - 02 - 09, 11:48 م]ـ
المبحث الثالث
عباس العقاد يدافع عن كتاب النصارى
يواجه كتاب النصارى عدداً من المشاكل واحدة منها فقط تذهب بقدسيته، من هذه المشاكل:
المشكلة الأولى: مشكلة (التقديس) من أين جاءه؟ مَن قال إنه مقدس؟ من أعطاه صفة القداسة؟
الذي لا ينكره أحد منهم هو أن هذا الكتاب أخذ صفة (القداسة) من البشر .. تحديداً من المجامع، وبعد رفع المسيح ـ عليه السلام ـ بقرونٍ من الزمن، والعقاد يعرف ذلك ويذكره [20]، وتم ذلك بالهوى وليس بضوابط محددة، وأمارة ذلك أن تسألهم عن الضوابط التي بموجبها قيل أن هذه الأناجيل (مقدسة) وغيرها ليس بمقدس، سلهم: ما الفرق بين هذه الكتابات وغيرها؟ وقد سألتهم وسألهم غيري، ولم نجد عندهم إجابة .. لا يجيبون [21]
المشكلة الثانية: الخبرُ بمن يخبر به، أو بشواهدٍ في ذات الخبر تدلل على صدقه، فبعضهم إن أخبرك صدقتَ مهما كان الخبر غريباً، ويكون الدليل أن فلاناً هذا الصادق الأمين هو الذي أخبر، وبعضهم إن أخبرك شككت في قوله ولو بدى أن القولَ صوابٌ، فالخبر يُقيَّم بالمخبر. لذا لا نقبل خبر المجهول في الحديث، ولا من يشك في عدله.
ويُقَيَّمُ الخبر أيضاً بشواهد في ذات الخبر تدلل على صدقه. هذه مسلمة عقلية لا ينازع فيها أحد.
وكتاب النصارى مردود من الناحيتين، من ناحية المخبر به، ومن ناحية ما فيه من أخبار. فلا نعلم مَن كتب الكتاب بيده، ولا يعلمون، وأخبار الكتاب متضاربة حيناً ورديئة أحياناً.
ما علاقة هذا بالعقاد؟
كالبهلوان راح العقَّادُ يتقافز يميناً ويساراً .. متردداً .. متخبطاً .. يدافع عن كتاب النصارى. وكالعادة بلا دليل، فقط بالتهكم والسخرية وذر تراب البيان في وجوه القراء، وهاك مني بيان بالأمثال!!
1ـ بعض الأناجيل متشابهة، ويفسر العارفون هذا التشابه بأن بعضهم نقل من بعضهم، وهذا يعني أن الأناجيل مكتوبة باليد بل (مغشوشة) نقل أحدهم من الآخر، وهذا يعني أنه لا وحي ولا يحزنون بل أناس كتبوا بأيديهم ونقلوا من بعضهم، وهذا مما يحزن النصارى ويدل على أن كتابهم ليس بمقدس ولكنه من فعل البشر والعقاد يعترف بهذا التشابه [22]، ويرد نيابة عن النصارى، فماذا يقول؟! [23]
يعلل بتعليلٍ ساذج يدل على سطحية في التفكير واستخفاف بالقارئ، يقول لتشابه المصدر الذي ينقلون عنه!! بمعنى أنهم نقلوا من مصدرٍ واحد ولذا تشابهت أقوالهم.!!
والنصارى يرفضون ذلك، لأنهم يقولون أن الأناجيل كتبت بـ (وحي من الله) وليس عن طريق النقل من أي مصدر!!.
والعقلاء يرفضون ذلك لعدم وجود دليل عليه، فلم يقل أحد قبل العقاد أن مَن كتبوا الأناجيل كانوا ينقلون من مصدرٍ ما؛ بل كان نوعاً من تسجيل الأحداث للتاريخ أو للتسلية مع صديق، ولكن العقّاد ـ كعادته ـ يرمي بكلام من ظنه.
2ـ المثال الثاني، أدلل به على أن العقاد يدافع عن النصرانية .. وعلى أن العقاد سطحي في تفكيره لا يملك غير البيان والاستخفاف بعقول القراء.: يقول: (روايات الأناجيل تطابق التطور المعقول من بداية الدعوة إلى نهايتها، ومن التطور المعقول أن تبتدئ الدعوة قومية عنصرية ثم تنتهي إنسانية عالمية، وأن تبتدئ في تحفظ ومحافظة ثم تنتهي إلى الشك والمخالفة، وأن تبتدئ بقليل من الثقة في شخصية الداعي ثم تنتهي بالثقة التي لا حد لها في نفوس الأتباع والأشياع، وهكذا كانت الدعوة المسيحية كما روتها الأناجيل دون أن يتعمد كتابها تطبيق أحوال التطور أو تلتفت أذهانهم إلى معنى تلك الأحوال) [24]
العامة يمرون بهذا الكلام فلا يفهمون منه إلا أن كتاب النصارى بخير، والنصارى يمرون بهذا الكلام فيفرحون به على علته، ويستحضرونه في مجالسهم حين يتكلمون لمريديهم ومن ينصرونهم يقولون لهم (علماء المسلمين) يشهدون لكتابنا، وقد فعل الكذاب اللئيم زكريا بطرس وفعلت المجرمة ناهد متولي [25].
أقول: وهذا الكلام (بَكَشٌ) يعرف عواره المختصون. وقد بينتُ في المبحث السابق أنه لم يكن تطور ولا يحزنون. وإنما العقاد (بكَّاش) كلامه من جنس كلام (المصاطب) بعيد تماماً عن العلمية والضبط.
¥