هنا شيء عجيب يثبت لك أن العقاد دائماً يبحث عن الغريب وبسطحية عجيبة جداً. نسأل: لم الحيرة؟
لو كان الرجل يعتمد على كتاب النصارى فإنه سيصرح سريعاً بأن الذي اعتقله هم يهود بعد أن دلَّهم عليه يهوذا الإسخريوطي، وأنه حوكم في الهيكل من قبل يهود، وأن يهود تجمعت تهتف (اصلبه) حتى قتل وصلب، أو صلب ثم قتل كما يقول كتابهم.
ولو كان عباس العقاد يعتمد على كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقال بقول الله {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} النساء157
أو يقول بما ورد في السنة النبوية (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ إلَى السَّمَاءِ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ - وَهُمَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً - مِنْ عين في الْبَيْتِ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، فَقَالَ لَهُمْ: أَمَا إنَّ مِنْكُمْ مَنْ سَيَكْفُرُ بِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً بَعْدَ أَنْ آمَنَ بِي، ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُمْ سَيُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي فَيُقْتَلَ مَكَانِي وَيَكُونُ مَعِي فِي دَرَجَتِي؟ فَقَامَ شَابٌّ مِنْ أَحْدَثِهِمْ، فَقَالَ: أَنَا، فَقَالَ عِيسَى: اجْلِسْ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَامَ الشَّابُّ، فَقَالَ عِيسَى: اجْلِسْ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَامَ الشَّابُّ، فَقَالَ: أَنَا، فَقَالَ: نَعَمْ أَنْتَ ذَاكَ، قَالَ: فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُ عِيسَى.
قَالَ: وَرُفِعَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنْ رَوْزَنَةٍ كَانَتْ فِي الْبَيْتِ إلَى السَّمَاءِ، قَالَ: وَجَاءَ الطَّلَبُ مِنَ الْيَهُودِ فَأَخَذُوا الشَّبِيهَ فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ صَلَبُوهُ , وَكَفَرَ بِهِ بَعْضُهُمَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً بَعْدَ أَنْ آمَنَ بِهِ " (1) [33]
ولكن العقَّاد وقف حائراً.
كيف وقف حائراً؟
لا أدري.
لم يكن إنجيل يهوذا [34] قد ظهر بعد حتى نقول جاءه بعض الشك.!!
ولا يستطيع أي باحث أن يقف حائراً فإن كان معوجاً في بحثه مال للقوم وقال بقولهم، وإن كان مستقيماً جاء إلينا وقال بقول العليم الخبير سبحانه وتعالى وعز وجل. أما العقاد فهو كيان مستقل مخالف دائماً. لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.!!
ـ وتدبر هذه الكلمات للعقاد: (ولا نستطيع كما أسلفنا أن نقرر على وجه التحقيق من الناحية التاريخية كيف كانت نهاية السيرة المسيحية) (3) [35]، ويتكلم بعد ذلك عن (قبر) المسيح ـ عليه السلام ـ هل هو في فلسطين أم في كشمير؟!!
ما الفرق بين قوله هذا وقول طه حسين: (للقرآن أن يحدثنا كما يشاء عن إبراهيم وإسماعيل ولنا أن نصدق أو لا نصدق)؟
وإن قيل: أنه يقول المصادر التاريخية، وهذا صحيح، فالمصادر التاريخية لم تتكلم عن المسيح ـ عليه السلام ـ بقليل أو كثير، فقط جاء ذكره في كتاب النصارى.
قلنا هذه حيرة أخرى وعوج آخر في التفكير عند العقاد، فهو من قبل شدَّ واشتد على هؤلاء المؤرخين أن لم يذكروا المسيح وراح يتهمهم ويشكك في نزاهتهم ويقول يهود في عصر الرومان لذا لم يكتبوا عن المسيح ـ عليه السلام ـ، وأكد على أن كتاب النصارى مصدر من مصادر التاريخ، وهو عوج آخر لو حاكمت العقاد إلى كلامه. ثم الآن يشكك في الجميع ويتجاهل القرآن.!!
كتاب (عبقرية المسيح) أو (حياة المسيح) ـ عليه السلام ـ جاء متأخراً عن عبقرية محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعقد من الزمن أو يكاد،وقبيل وفاة عباس العقاد، فهل يعني هذا أن العقاد كان نصرانياً؟
العقاد لم يكن نصرانياً، بل كان منتسباً للإسلام يفاخر به أحياناً، كل ما هنالك أن العقاد مشاغب، يقف دائماً وحيداً إن تكلم عن النصرانية أو تكلم عن الإسلام، إن كان في الأدب أو كان في الفكر.
هذا هو العقاد لم ينصر إسلاماً ولم يغظ كفراً، وإنما أضاع جهده ونفسه في إثبات ذاته ومناطحة أقرانه. وأضاع وقتنا في الرد عليه.
محمد جلال القصاص
16/ 2/2009م
¥