جـ: المراد بالسلف هنا الصحابة والتابعون وتابعوهم، وهم القرون المفضلة بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعد ذلك يفشوا الكذب كما يخبر النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث في صحيح البخاري: [خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم]، قال عمران بن الحصين أو الراوي عنه: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثاً] ثم يأتي بعد ذلك أقوام يشهدون ولا يستشهدون ويحلفون ولا يستحلفون ويخونون ولا يأتمنون [وفي بعض الروايات ينذرون ولا يوفون] ويظهر فيهم السِمَن يسبق يمين أحدهم شهادته وشهادته يمينه] أي يتعجل في كلامه ولا يتروي وهذا في العصور المتأخرة.
ولذلك الحديث المرسل الذي يرفعه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم احتج به الجمهور، قالوا: لأن ذلك لم يفشُ فيه الكذب، فإنه حصل في العصور المتأخرة.
خامساً: كلام العزيز الغفور لنبينا عليه الصلاة والسلام المبرور:
كلمه الله جل وعلا فوق سبع سموات، فحصلت له الرؤية وحصل له الكلام ن وتقدم معنا ما يشير إلى هذا عند فرض الصلوات وفيه أن الله جل وعلا قال له بعد أن انتهت إلى خمس [أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي،هي خمس وهن في الآخرة خمسون].
وهذا كلام يسمعه النبي صلى الله عليه وسلم من ربنا في ذلك الوقت، وهذا هو مما أطلعنا عليه من أنه حصل بينهما كلام، لكن ما الذي حصل بعد ذلك من مناجاة وتكليم؟ لا يعلم هذا إلا رب العالمين.
وقد أشار الحافظ في الفتح (7/ 216) إلى هذا عند هذه الجملة من الحديث: "هذا من أقوى ما استدل به على أن الله كلم نبيه صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج بغير واسطة"0
إن قيل: من أين علمنا أن هذا التكليم كان من غير واسطة؟
الجواب: من لفظ الحديث [أمضيت فريضتي]، ولو أن الملك هو الذي بلغه لقال أمضى الله فريضته يا محمد [خففت عن عبادي] هذا كلام من؟ إنه كلام الله، هذا كما يفعل ربنا كل ليلة حين ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: [من يدعوني فاستجب له، ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له] والحديث متواتر، فجاء المؤولة وقالوا: معنى [ينزل ربنا] أي ينزل ملكه ونقول لهم: لو نزل الملك فهل يجوز أن يقول من يدعوني فأستجب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له بل لو نزل أعلى الملائكة لما جاز له أن يقول هذا الكلام، لكن يقول لو كان الملك الذي ينزل – من يدعو الله فيستجيب له ... وهكذا.
وهنا لفظ الحديث يدل على أن المتكلم هو الله سبحانه وتعالى إذ لا يصح أن يتكلم بهذه الصيغة غير الله جل وعلا.
وقال الإمام ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 80) – وهذا الكتاب لا ينبغي أن يخلو منه بيت مسلم وهو في خمس مجلدات وهو كتاب نافع ضروري ضموه إلى ما ذكرناه سابقاً كتاب الأذكار ورياض الصالحين والتبيان في آداب جملة القرآن – يقول عند تعداد مراتب الوحي فذكر مرتبة ثامنة للوحي وهي آخر المراتب وهي خاصة بنبينا عليه الصلاة والسلام ولم تحصل لغيره: "زاد بعضهم مرتبة ثامنة وهي تكليم الله لنبيه عليه الصلاة والسلام كفاحاً (أي من غير حجاب) على مذهب من يقول إنه رأى ربه، وهي مسألة خلاف بين السلف والخلف".
وهي كما قلنا لم تحصل لغير نبينا عليه الصلاة والسلام، أما الكلام الذي حصل لموسى بحجاب، فهذه زيادة رآه وكلمة، والله يقول في كتابه: (ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء) فاستثنى من هذا نبينا عليه الصلاة والسلام فكلمه كفاحاً ومشافهة دون أن يكون هناك حاجز أو حجاب.
وإذا لم نقل بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه فنقول الكلام حصل له بحجاب كما حصل لموسى عليه السلام.
والآن انتهينا من مبحث الإسراء والمعراج.
س: متى وقع الإسراء والمعراج بالتحديد؟
جـ: لا يُعلم زمن وقوعه بالتحديد لا في أي يوم ولا في أي شهر ولم يثبت هذا بسند صحيح عن أحد وكل تحديد لشهره أو ليومه أو لليلته فهو محض التخرص والكذب والافتراء على النبي عليه الصلاة والسلام.
¥