الرد على شبهة قبوري متمسِّك بقصة بناء أبي جندل مسجدا على قبر أبي بصير
ـ[فريد المرادي]ــــــــ[02 - 03 - 09, 10:36 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
" الرد على شبهة قبوري متمسِّك بقصة بناء أبي جندل مسجدا على قبر أبي بصير - رضي الله عنهما - "
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور محمد علي فركوس - حفظه الله -
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فقد تمسَّك من يحارب السنة وأهلها في موضع شبهة أخرى لا تشفع له زعمه بجواز بناء المساجد على قبور الصالحين، واستحباب الصلاة فيها حيث احتجَّ بحديث أبي بصير - رضي الله عنه - الذي رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم قالا: «إنَّ أبا بصير انفلت من المشركين بعد صلح الحديبية، وذهب إلى سيف البحر، ولحق به أبو جندل بن سهيل بن عمرو، انفلت من المشركين أيضًا، ولحق بهم أناس من المسلمين حتى بلغوا ثلاثمائة وكان يصلي بهم أبو بصير، وكان يقول: «الله العلي الأكبر من ينصر الله يُنصر». فلمَّا لحق به أبو جندل، كان يؤمُّهم، وكان لا يمر بهم عير لقريش إلاَّ أخذوها، وقتلوا أصحابها، فأرسلت قريش إلى النبيِّ - صَلَّى الله عليه وآله وسلم - تناشده الله والرحم، إلا أرسل إليهم، فمن أتاك منهم فهو آمن، وكتب رسول الله - صَلَّى الله عليه وآله وسلم - إلى أبي جندل وأبي بصير ليقدما عليه ومن معهم من المسلمين أن يلحقوا ببلادهم وأهليهم، فقدم كتاب رسول - صلى الله عليه وآله وسلم - على أبي جندل، وأبو بصير يموت، فمات وكتاب رسول الله - صَلَّى الله عليه وآله وسلم - بيده يقرأه، فدفنه أبو جندل مكانه، وبنى على قبره مسجدًا».
ثم عَلَّقَ على الحديث بأنه ذكره ابن عبد البر في «الاستيعاب» (4/ 1614)، وصاحب «الروض الأنف» (4/ 59)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (4/ 134)، وصاحب «السيرة الحلبية» (2/ 720)، ورواه - أيضًا - موسى بن عقبة في «المغازي»، وابن إسحاق في «السيرة»، ومغازي موسى بن عقبة من أصح كتب السيرة، فكان يقول الإمام مالك عنها: عليكم بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة، فإنها أصحّ المغازي، وكان يحيى بن معين يقول: كتاب موسى بن عقبة عن الزهري من أصح هذه الكتب.
فالجواب عن هذه الشبهة الثانية من السُّنة في قصة بناء أبي جندل - رضي الله عنه - مسجدًا على قبر أبي بصير - رضي الله عنه - في عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - من الحيثيتين التاليتين:
• الحيثية الأولى من حيث السند: فإنَّ القصةالتيأوردها ابن عبد البر في «الاستيعاب» بدون زيادة «وَبَنَى عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا» ضعيفة لا تقوم بها حُجَّة لكونها مرسلة؛ لأنَّ مدار هذه القصة على الزهري على اعتبار أنه تابعي صغير سمع من أنس بن مالك - رضي الله عنه - وإلاَّ فهي معضلة.
أمَّا الزيادة في موضع الشاهد في قوله: «وبنى على قبره مسجدًا» فهي زيادة منكرة لعلتين:
العلة الأولى:
كونها مُعضلة فقد صرَّح ابن عبد البرّ بأنها من رواية موسى بن عقبة (1)، وليس من مرسل الزهري ولا من رواية عبد الرزاق عن معمر عنه، ولا نشك في أنَّ موسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي ثقة فقيه إمام في المغازي، إلاَّ أنَّه من صغار التابعين ولم يسمع أحدًا من الصحابة (2)، وقد قال الإسماعيلي في كتاب «العتق» إنه لم يسمع موسى بن عقبة من الزهري شيئًا (3).
العلة الثانية:
أنَّ تلك الزيادة لم يروها الثقات، فقد روى البخاري في كتاب «الشروط» من صحيحه، باب الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط (5/ 329)، وأحمد في «مسنده» (4/ 328) وغيرهما هذه القصة موصولة من طريق عبد الرزاق عن معمر، قال: أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بها دون هذه الزيادة.
¥