تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المهم أن الجهم قال: أمهلوني. فشك في دينه وبقي أربعين يوماً لا يصلي -كما ذكر ذلك الإمام أحمد رحمه الله نقلاً عن شيوخه- فظل يفكر بالليل والنهار كيف يجيبهم، فتذكر شيئاً قال: هذا الهواء ليس له طعم ولا لون ولا ريح، فخرج إليهم فقال: إن ربه مثل الريح، وقيل في بعض النسخ: إنه قال: مثل الروح ليس له طعم ولا لون ولا رائحة، بطبيعة الحال لن تؤمن السمينية بمثل هذا الكلام، ولكن الذي ضل هو هذا الرجل، ولذلك أخذ يؤصل لمذهب خبيث وهو أنه ليس لله تبارك وتعالى صفات، وأن تنزيه الله هو بنفي صفاته كما قال شيوخه من الفلاسفة، وحتى امرأته -كما نقل الإمام عثمان الدارمي رحمه الله في رده على بشر - تعلمت منه، ولقيها بعض من العلماء في سوق الدباغين، فسمعت رجلاً يقول: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] قالت: محدود على محدود؟! فعلّم زوجته وأفسدها، وهكذا دعاة الشر يفسدون نساءهم، ومع الأسف أن بعض دعاة الخير لا يصلحون أزواجهم.

اذن أس البلاء وسبب ما نحن فيه من الشقاء، وحامل لواء مقدمي الآراء على كتاب الله وسنة رسوله فهو الجهم بن صفوان الخرساني، الذي توفي في نهاية الربع الأول من القرن الثاني الهجري

فعقائد الجهم ونظرياته تنبع من أسس يهودية، بعيدة كل البعد عن العقيدة الإسلامية، استقي أفكاره من الفلاسفة القدماء للديانات اليهودية.

أما الطريق الثاني الذي استمد منه الجهم بن صفوان فكره، فهو طريق وثني، فالجهم كان كثير الخصومة والكلام، لقي أناسا من المشركين ومنهم السمنية الذين ذكرناهم آنفا، والسمنية نسبة إلي قرية بالهند تسمي سُومَنَات، وهذه رواية أخرى لتلك المناظرة التى هو ليس لهل بأهل: وهي فرقة تعبد الأصنام وتقول بتناسخ الأرواح، وتنكر الوحي والدين، جرت بين الجهم وبينهم مناظرة عقلية، فلما عرفوا الجهم قالوا له: نكلمك ونناظرك، فإن ظهرت حجتنا عليك، دخلت في ديننا، وإن ظهرت حجتك علينا، دخلنا في دينك، - والجهم عامي مسكين ليس له باع أو قدم بين المتناظرين - فكان مما كلموا به الجهم أن قالوا له: ألست تزعم أن لك إلها؟ قال الجهم: نعم، قالوا له: فهل رأيت إلهك؟ قال: لا، قالوا: فهل سمعت كلامه؟ قال: لا قالوا: فهل شممت له رائحة؟ قال: لا، قالوا: فوجدت له حسا؟ قال: لا قالوا: فما يدريك أنه إله؟ فتحير الجهم فلم يدر من يعبد أربعين يوما.

قال ابن شوذب: (ترك الصلاة أربعين يوما على وجه الشك خالفه بعض السمنية، فشك فقام أربعين يوما لا يصلي) ثم استدرك حجة مثل حجة زنادقة النصارى، الذين يزعمون أن الروح الذي في عيسي هو الله وأن الله يحل فيه، فإذا أراد الله أمرا دخل في عيسي فتكلم على لسانه، فيأمر بما يشاء وينهي عما يشاء، وهو روح غائبة عن الأبصار، فاستدرك الجهم حجة مثل هذه الحجة، فقال الجهم لمن ناظره من السمنية: ألست تزعم أن فيك روحا؟ قال السمني: نعم فقال له: هل رأيت روحك؟ قال: لا، قال: فسمعت كلامها؟ قال: لا قال: فوجدت لها حسا؟ قال: لا، قال: فكذلك الله لا يري له وجه ولا يسمع له صوت ولا يشم له رائحه وهو غائب عن الأبصار وهو في كل مكان، فالمخلوقات بمثابة الجسد والله في داخلها بمثابة الروح.

قال أبو معاذ البلخي: (كان جهم على معبر ترمذ، بلد من نواحي إيران، وكان رجلا كوفي الأصل فصيح اللسان، لم يكن له علم ولا مجالسه لأهل العلم، وكان قد تناقل كلام المتكلمين وكلمه السمنية، فقالوا له: صف لنا ربك الذي تعبده، فدخل البيت لا يخرج كذا وكذا، قال: ثم خرج عليهم بعد أيام، فقال: هو هذا الهواء مع كل شيء وفي كل شيء ولا يخلو منه شيء

وقد أخذ الجهم بن صفوان كما ذكرنا أستاذه الجعد بن درهم الذي قال بنفي أوصاف الله وعطل الآيات عن مدلولها وقال بخلق القرآن، قال أبو القاسم اللالكائي: (ولا خلاف بين الأمة أن أول من قال القرآن مخلوق جعد بن درهم، ثم جهم بن صفوان K

فالجهم بن صفوان إليه تنسب طائفة الجهمية الذين قالوا لا قدرة للعبد أصلا، بل هو بمنزلة الجمادات، والجنة والنار تفنيان بعد دخول أهلهما حتى لا يبقي موجود سوي الله تعالى)،

يتبع

ـ[تقى الدين ابو عبد الرحمن]ــــــــ[06 - 03 - 09, 01:54 ص]ـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير