(الرحمن على العرش استوي) ووجد قوله تعالى): سَأَل سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ مِنْ اللهِ ذِي المَعَارِجِ تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِليْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلفَ سَنَة) ٍ، (قُل لوْ كَان مَعَهُ آلهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إلي ذِي العَرْشِ سَبِيلا الذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ للذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُل شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلمًا فَاغْفِرْ للذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلك وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ (
ماذا صنع الجهم بهذه النصوص؟ قال أبو نعيم البلخي وكان قد أدرك جهما: كان للجهم صاحب يكرمه ويقدمه على غيره فإذا هو قد هجره وخاصمه، فقلت له: لقد كان يكرمك، فقال: إنه جاء منه ما لا يتحمل بينما هو يقرأ سورة طه والمصحف في حجره إذ أتي على هذه الآية: الرحمن على العرش استوي، قال: لو وجدت السبيل إلي أن أحكها من المصحف لفعلت فاحتملت هذه، ثم إنه بينما يقرأ آية أخرى إذ قال: ما أظرف محمدا حين قالها ثم بينما هو يقرأ القصص والمصحف في حجره إذ مر بذكر موسي عليه السلام فدفع المصحف بيديه ورجليه، وقال: أي شيء هذا؟ ذكره هنا فلم يتم ذكره وذكره هنا فلم يتم ذكره.
هذا هو المنهج الذي اتبعته المعطلة إلي يومنا هذا، أتباع الجهمية من المعتَزِلة والأشعرية وسائر المتكلمين أصحاب المدرسة العقلية
زعم الجهم بن صفوان أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو في سنة رسوله صلي الله عليه وسلم فهو مشبه، وأن التوحيد يكمن في نفي هذه الصفات سواء كان النفي نفيا واضحا أو كان بتأويل القرآن على غير معناه ولي أعناق النصوص بغير ما تحتمل متمسكا بزعمه بقول الله تعالى) ليْسَ كَمِثْلهِ شيء).
فالجهم بن صفوان زعم أن الله في كل مكان، كما أن الروح في الجسد، وهذا كلام باطل من جميع الوجوه لأن الله سبحانه وتعالي لا يحل في مخلوقاته، فقد ثبت أنه بذاته، في السماء فوق العرش وعرشه فوق الماء، والماء فوق السماء السابعة، وهو سبحانه تعالى العلى في سمائه، يدبر أمر مخلوقاته ويعلم ما هم عليه.
قال أبو عمر الطلمنكى: أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله تعالى (وهو معكم أينما كنتم) ونخو ذلك من القرآن أنه علمه، وأن الله تعالى فوق السماوات بذاته مستو على عرشه كيف شاء، وقال أهل السنة في قوله: (الرحمن على العرش استوى) إن الاستواء من الله على عرشه على الحقيقة لا على المجاز.
وقال أبو زرعة الرازى: إن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسول الله صلي الله عليه وسلم بلا كيف أحاط بكل شيء علما، وإنه تبارك وتعالي يري في الآخرة يراه أهل الجنة بأبصارهم ويسمعون كلامه كيف شاء وكما شاء.
وقال أبو نعيم الأصبهاني: طريقتنا طريقة المتبعين للكتاب والسنة وإجماع الأمة، ثم قال: فما اعتقدوه أن الأحاديث التي ثبتت عن النبي صلي الله عليه وسلم في العرش واستواء الله يقولون بها ويثبتونها من غير تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف وأن الله بائن من خلقه والخلق بائنون منه ولا يحل فيهم ولا يمتزج بهم، وهو مستو على عرشه في سمائه دون أرضه وخلقه، وقال أيضا: وأجمعوا
أن الله فوق سماواته عال على عرشه مستو عليه لا مستول عليه كما تقول الجهمية أنه بكل مكان خلافا لما نزل في كتابه)
وقال أبو الحسن الأشعري في كتابه الإبانة عن أصول الديانة الذي نصر فيه أهل السنة والجماعة عند قوله تعالى:
(أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ) قال: السماوات فوقها العرش ولما كان العرش فوق السماوات قال أأمنتم من في السماء لأنه على العرش الذي فوق السماوات وكل ما علا فهو سماء والعرش أعلى السماوات، وليس إذا قال: أأمنتم من في السماء يعني جميع السماوات وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات.
وقال يحي بن معاذ الرازى إن الله على العرش بائن من خلقه قد أحاط بكل شيء علما وأحصي كل شيء عددا لا يشك في هذه المقالة إلا جهمي رديء أو هالك مرتاب يمزج الله بخلقه ويخلط منه الذات بالأقذار والأنتان.
يتبع
ـ[تقى الدين ابو عبد الرحمن]ــــــــ[06 - 03 - 09, 01:56 ص]ـ
المعتزلة ومؤسسيها ونشأتها وأفكارها
¥