قلت: ويشبه هذا الكلام ما نقله الفاضل أبو ممدوح عن الشيخ قوله: ((وردا على سؤال آخر من أحد الحضور جاء فيه: "بعض الناس يطعن في عقيدة الأزهر الشريف، فما رد فضيلتكم على هذا الكلام؟ "، قال الشيخ القرضاوي بنبرة استفهام ساخرة: "عقيدة الأزهر الشريف؟! "
ورأى أن من يقول ذلك "فهو يطعن في الأشعرية"، وتابع: "ليس الأزهر وحده أشعريا .. الأمة الإسلامية أشعرية .. الأزهر أشعري والزيتونة أشعري والديوباندي (بالهند) أشعري وندوة العلماء أشعرية ومدارس باكستان أشعرية .. وكل العالم الإسلامي أشعرية ((
وأشار إلى أنه حتى الأشعرية موجودة بالسعودية التي تعد مركز السلفية الوهابية، وقال: ((السلفيون مجموعة صغيرة، حتى إذا قلنا السعودية فليس كل السعودية سلفيين، فالحجازيون غير النجديين غير المنطقة الشرقية غير منطقة جيزان وهكذا ((.
وأضاف: "فإذا أخذنا بالأغلبية، فإن أغلبية الأمة أشعرية .. هذه كلها اجتهادات في فروع العقيدة، والكل متفق على شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله وعلى النبوة في الإيمان بالله وكتبه ورسله وفي اليوم الآخروشدد على أن "هذه الاختلافات لا ينبغي أن نكفر بها أحدا ((
وبقطع النظر عن الأخطاء العلمية في تضاعيف الكلام: كجعل الخلاف في فروع العقيدة ونحوه فإن ردنا على هذا الكلام سيكون من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: في تحقيق كون الأشاعرة أكثر الأمة.
فصورة القضية تتلخص في إيراد أورده الأشاعرة المتأخرون على أهل السنة السلفيين، وكان مفاده: كيف تزعمون أنكم على الحق ونحن معنا قرينة لائحة متضحة على أن الحق معنا وهي: أننا أكثر الأمة ..
فغالب علماء الأمة، المفسرون والمحدثون والفقهاء واللغويون والأصوليون =أشاعرة وماتريدية ..
وهذه قرينة ظاهرة ليس معكم مثلها .. ولو كنتم على الحق لكنتم أكثر الأمة ..
فكان أن رد عليهم أهل السنة بجواب صورته:
((ليس الرأيُ ما ذهبت إليه، من أن جمهورَ الأمةِ من الأشعرية وانظر حولك في محيطك الذي تعيش فيه، هل عوام الأمة يعرفون الأشعري والماتريدي، وماذا يقولون في علو الله تبارك وتعالى على عرشه، وماذا يعتقد العوام في ((الإسراء والمعراج))، حتى مَنْ يقول منهم إن الله في كل مكان فإذا باحثته لم يكن يريد إلا السلطان والعلم والجبروت وما أشبه ذلك من المعاني الصحيحة ولم يُرِدْ أحدٌ منهم الحلولَ أو الاتحادَ قط، ولا خطر بقلب أحدهم ((لا خارجَ العالم ولا داخلَهُ)) وكذلك قُلْ في أفعال العباد، فكل العوام يثبتون عموم الإرادة والخلق، فكل شيء بإرادة الله وخلقه، ويثبتون مع ذلك اكتسابَ العبدِ لأفعاله، فالله خالقٌ مريدٌ حقيقةً، والعبدُ فاعلٌ حقيقةً ولا تَنافِىَ في شيء من ذلك عندهم ولا يناقضون بين هذا وهذا، ولا يقولون بجبرٍ أو كسبٍ أو نحو ذلك، كما لا يتوقف أحد من العوام عن إثبات شيء من صفات الله تعالى على ما يليق به، لا يمنعه ((حلول حوادث)) ولا ((حوادث لا أول لها)) عن ذلك، وسَلْ يا دكتور عمر أيَّ عاميٍّ هل ربُّنا سبحانه يُوصَفُ برحمةٍ ورضا وغضب، أم المراد ((إرادة الثواب وإرادة العقاب)) وأن الرحمة خور والغضب غليان ... الخ من التأويلات الأشعرية الغريبة البعيدة.
فكل هؤلاء ليسوا من الأشاعرة، وإثباتهم ليس متلقىً عن أحد بل بفطرتهم النقية التي لم تتلوث بترهات علم الكلام الذي غرسه المتكلمون ومنهم الأشاعرة، وهؤلاء هم جمهور الأمة قبل ((القرن السابع)) وبعده)).
هذا مثال على الرد ولم أر ممن حاولوا الرد على إيراد الأشاعرة من خرج عن هذا النسق في الرد ..
الآن نلاحظ أن أهل السنة لما حاولوا الرد على هذا الإيراد =فزعوا إلى ذكر العوام وأنهم على الفطرة وعقيدة العجائز، ولا شك أن العوام هم دائماً أكثر الأمة ... وفرحوا بردهم هذا وركنوا إليه وصارت الحجة تُقلب على الأشاعرة فيقال: بل نحن أهل السنة أكثر الأمة ....
والآن نبدأ التعليق على ما تقدم مضمنين هذا التعليق الرأي الذي نرتضيه في هذه المسألة ...
1 - هذا الولوع بالكثرة والحرص على وصف المذهب بها وجعلها قرينة على إصابة الحق = لا ينبغي أبداً وفيه غفلة عن النصوص الكثيرة الموضحة والمبينة أن أهل الحق قلة دائماً:
والله يقول: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}
والله يقول: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}
¥