و أهل البدع إذاً، كلّما رويتم حديثاً ينفرون منه، يقولون: " يحتمل أنّه من تغيير بعض الرّواة "، فإذا كان المذكورُ في الصّحيح المنقولُ من تحريف بعض الرّواة؛ فقولكم و رأيكم في هذا؛ يحتملُ أنّه من رأي بعض الغُواة!!
و تقول: " قد انزعج الخطّابيّ لهذه الألفاظ " فما الّذي أزعَجَه دون غيره؟! و نراك تبني شيئاً ثمّ تنقضُه، و تقول: " قد قال فلانٌ و فلانٌ "، و تنسب ذلك إلى إمامنا أحمد - رضي الله عنه - و مذهبه معروفٌ في السّكوت عن مثل هذا، و لا يفسّره، بل صحّح الحديث و منع من تأويله.
و كثيرٌ ممن أخذ عنكَ العلم إذا رجع إلى بيته عَلِمَ بما في عَيبته من العيب، و ذمّ مقالتك و أبطلها، و قد سمعنا عنك ذلك [من أعيان أصحابك المحبوبين عندك، الّذين مدحتهم بالعلم، و لا غَرَضَ لهم فيك، بل أدّوا النّصيحة إلى عباد الله، و لك القول و ضدّه منصوران، وكلّ ذلك] (*) بناءً على الواقعات و الخواطر!!
و تدّعي أنّ الأصحاب خلّطوا في الصّفات، فقد قبّحتَ أكثر منهم، و ما وسِعَتْكَ السّنّة. فاتقّ الله سبحانه، و لا تتكلّم فيه برأيك فهذا خبرٌ غيبٌ، لا يُسمع إلاّ من الرّسول المعصوم، فقد نصبتم حرباً للأحاديث الصّحيحة، و الّذين نقلوها نقلوا شرائع الإسلام.
ثمّ لك قصيدةٌ مسموعةٌ عليك في سائر الآفاق، اعتقَدَها قومٌ و ماتوا، بخلاف اعتقادِك الآن فيما يبلغُ عنك، و سُمع منك منها:
و لو رأيتَ النّار هبت فغدت ... تحرق أهل البغي و العناد
و كلّما ألقي فيها حطمت ... و أهلكته و هي في ازدياد
فيضع الجبّار فيها قدماً ... جلّت عن التّشبيه بالأجساد
حسبي حسبي قد كفاني ما أرى ... من هيبةٍ أذهبت اشتداد
فاحذر مقال مبتدعٍ في قوله ... يروم تأويلاً بكلّ وادي
فكيف هذه الأقوال: و ما معناها؟ فإنّا نخاف أن تُحدث لنا قولاً ثالثاً، فيذهب الاعتقاد الأوّل باطلاً. لقد آذيتَ عباد الله و أضلَلْتهم، و صار شغلك نقل الأقوال فحسب، و ابنُ عقيلٍ سامحه الله، قد حُكي عنه: أنّه تاب بمحضرٍ من علماء وقته من مثل هذه الأقوال، بمدينة السّلام - عمرها الله بالإسلام و السنّة - فهو بريءٌ - على هذا التّقدير- ممّا يوجد بخطّه، أو يُنسب إليه منَ التّأويلات و الأقوال المخالفة للكتاب و السّنة.
و أنا وافدة النّاس و العلماء و الحفّاظ إليك، فإمّا أن تنتهي عن هذه المقالات، و تتوب التّوبة النّصوح، كما تاب غيرُك، و إلاّ كشفوا للنّاس أمرك، و سيّروا ذلك في البلاد و بيّنوا وجه الأقوال الغثّة، و هذا أمرٌ تُشُوِّر فيه، و قُضي بليلٍ، و الأرض لا تخلو من قائمٍ للّه بحجّة، و الجرح لا شكّ مقدّمٌ على التّعديل، و الله على ما نقول وكيل، و قد أعذر من أنذر.
و إذا تأوّلتَ الصّفات على اللّغة، و سوّغتَه لنفسك، و أبيتَ النّصيحة، فليس هو مذهب الإمام الكبير أحمد بن حنبل قدّس الله روحه، فلا يُمكنك الانتسابُ إليه بهذا، فاختر لنفسك مذهباً، إن مُكِّنت من ذلك، و ما زال أصحابنا يجهرون بصريح الحقّ في كلّ وقتٍ و لو ضُربوا بالسّيوف، لا يخافون في الله لومة لائمٍ، و لا يُبالون بشناعة مشنّعٍ، و لا كذبِ كاذبٍ، و لهم من الاسم العذب الهنيّ، و تركِهم الدّنيا و إعراضِهم عنها اشتغالاً بالآخرة ما هو معلومٌ معروفٌ.
و لقد سوّدتَ وجوهنا بمقالتك الفاسدة، و انفرادَك بنفسكَ، كأنّك جبّارٌ من الجبابرة، و لا كرامة لكَ و لا نُعمى، و لا نمكِّنك من الجهر بمخالفة السّنة، و لو استُقبل من الرّأي ما استُدبر، لم يُحكَ عنك كلامٌ في السّهل، و لا في الجبل، ولكن قدر الله و ما شاء فعل، بيننا و بينك كتاب الله و سنّة رسوله، قال الله تعالى: ? فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ?للَّهِ وَ?لرَّسُولِ? (النّساء: 59)، و لم يقل: إلى ابن الجوزيّ.
و ترى كلّ من أنكر عليك نَسبتَه إلى الجهل، ففضل الله أُوتيتَه وحدك؟! إذا جَهَّلت النّاس فمن يشهدُ لك أنّك عالمٌ؟ و من أجهلُ منك، حيث لا تصغي إلى نصيحة ناصحٍ؟ و تقول: " من كان فلانٌ؟ و من كان فلانٌ؟ "!! مِن الأئمّة الّذين وصل العلم إليكَ عنهم، من أنتَ إذاً؟ فلقد استراح من خاف مقام ربّه، و أحجم عن الخوض فيما لا يعلم، لئلاّ يندم.
¥