تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم يقول إن الأمر لم ينته إلى هذا , بل إن الفرق قد تناحرت فيما بينها وأُلقيت بينهم البغضاء والشحناء , ففقدت الأمة هيبتها وضاعت جماعتها , وليس من سبيل إلى الخروج من هذا المأزق إلا بالدعوة إلى الحالة التي لم يتوزع الحق فيها ولم تفترق فيها الأمة , وهي مرحلة إسلام ما قبل الخلاف.

وبعض من يدعو إلى هذه الدعوة باعتبار المعنى الثاني لا يرضى أن ينسب إلى مذهب السلف أو حتى غيرهم من المذاهب, ويقول أنا مسلم وكفى , ولا ينتسب إلى غير الإسلام , ظنا منه أن انتسابه إلى منهج السلف – الذين يدعون إلى الأخذ بما كان عليه الصحابة – يعتبر مشاركة في الفرقة والافتراق ودعوة إلى بُعدِ الناس عن الحق الصافي!! , فتراه يقول إن تلك الانتسابات والتصنيفات أمور حادثة بعد زمن الصحابة , فلو كانت من الإسلام لما وجدت بعد زمنهم.

وهذه الدعوة بهذا المعنى الذي يقتضى تكدر الحق في الأمة أو توزعه بين طوائفها من غير أن تكون هناك طائفة تمثل الحق ويتمثل الحق فيها غير صحيحة , وهي مخالفة لدلالات النصوص ومقتضيات الواقع , وحتى يتبين ذلك فإنه لا بد من ذكر أمرين مهمين , يتجلى بهما الموقف المعتدل من هذه الدعوة, وهما: الأول: الأدلة الشرعية والواقعية التي تدل على خطأ هذا التصور , والثاني: الأسباب التي دعت إلى اللبس في هذا الموضوع.

· أدلة خطأ التصور السابق:

دلت نصوص كثيرة من الشرع على أن الحق باق في الأمة إلى قيام الساعة , فالحق في الأمة الإسلامية لا يزال محفوظا ثابتا لا يتغير , ودلت أيضا على قدر زائد على هذا وهو أن الحق لا بد أن يتمثل في طائفة واحدة من طوائف الأمة لا يخرج عنها وهي لا تخرج عنه , ومعنى هذا: أن الحق لا يوجد كاملا إلا فيها , وليس معناه أنه لا يوجد إلا عندها , بل يوجد عند طوائف الأمة قدر من الحق الذي جاءت به الشريعة , وهي متفاضلة فيه بحسب قربها وبعدها عما كان عليه الصاحبة رضي عنهم , وهذا الحق هو الذي يتحقق به إسلامها , ولكن الحق الكامل لا يوجد إلا عند طائفة واحدة من تلك الطوائف , وهي الطائفة التي التزمت بما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم , كما دلت على ذلك النصوص الشرعية المتواترة.

ومن تلك النصوص حديث الافتراق المشهور , وفيه:"افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة , فقال الصحابة: من هي يا رسول الله؟ , قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي" ([6] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftn6)) , فهذا الحديث يدل على أن الأمة لا بد أن تفترق وأن كل فرقة تتميز عن الفرقة الأخرى بأصولها ومقالاتها بحيث تكون كل فرقة منفصلة عن الأخرى , ولهذا صح عدها إلى ثلاث وسبعين فرقة , ويدل أيضا على أن هناك طائفة ستبقى على الحق لا تتغير , لأنها باقية على ما كان عليه النبي r وأصحابه.

ومن ذلك أيضا النصوص المتواترة التي جاءت في الطائفة المنصورة , ومن الألفاظ التي جاء بها الحديث::" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون" ([7] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftn7)) , ومن ذلك أيضا قوله r :" ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله " ([8] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=58#_ftn8)) .

فهذه النصوص تدل على أن الحق سيبقى في الأمة إلى قيام الساعة , بحيث أن من أخذ به يكون قد أخذ بالحق الذي كان عليه النبي r وأصحابه , وسينجو به يوم القيامة , وهذا يستلزم عدم ضياع الحق وعدم تكدره , وتدل أيضا على أن هناك طائفة في الأمة تمثل الحق الذي كان عليه الرسول r وأصحابه , تدعو إليه وتنافح عنه وترد على المخالفين له.

وهذا يقتضى أن هذه الطائفة لا يمكن أن تكون مجهولة غير معلومة الأوصاف والمنهج؛ لأن الجهل بها يقتضى الجهل بكمال الحق , فالطائفة التي معها الحق لا بد أن تكون معلومة ظاهرة للناس بمنهجها وطريقها , ومن المعلوم أن الظهور درجات , والنصوص أثبتت مطلق الظهور , ولم تضمن الظهور الكامل؛ ولهذا فقد ينقص ظهور الطائفة الحق في بعض الأزمان أو الأماكن إلى أقل درجاته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير