تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كانت الحديبية كلها بتدبير الله عز وجل، بركت الناقة قبل أن يحدث أي شيء، وصرح الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن حابس الفيل قد حبسها. والحديث في الصحيح (وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَقَالَ النَّاسُ حَلْ حَلْ فَأَلَحَّتْ فَقَالُوا خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ) (8) يقول شارح البخاري يروي ذلك من طريق آخر يصححه: (أي حبسها الله عز وجل عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها)

وهاودهم للصلح مرعاةً لحرمات الله، وفي الحديث (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا) (9).

ووافق على بنود الصلح بوحي من الله، دليل ذلك: أن أصحابه رضوان الله عليهم ـ في جملتهم تباطئوا عن الامتثال أملا في التراجع أو في شيء يحدث يدخلون به إلى البيت، وكأنها حالةُ تمردٍ وعصيانٍ، ولو كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسير بشيء من تلقاء نفسه .. لو كان يحسبها بعقله لقدَّم تلك الحجج العقلية التي بموجبها أمضَ الصلح على ما هو عليه من شروط تبدوا جائرة، ولكنه لم يزد أن قال إنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولن يضيعه.

كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسير بالوحي في كل شأنه، في يوم الحديبية وفي غير يوم الحديبية، فكان الوحي هادياً، وكان الوحي مراقباً لما يصدر من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فدِلالةٌ وإملاءٌ، أو إقرارٌ، أو تصويبٌ (10)، وفي التنزيل {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} النجم4، وفي التنزيل: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} الأحقاف9، وفي التنزيل: {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} الأعراف203، وفي التنزيل: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} يونس15 {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} الأنعام50

وهذا ما فهمه صاحب كتاب (النبأ العظيم) الشيخ محمد عبد الله دراز (11) من صلح الحديبية. رأى في ذلك اليوم دليلاً على أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يسير بوحي من الله وليس من تلقاء نفسه (12). والعقاد يقول كان الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقتها كغاندي الهندي عابد البقرة.!!

سبحانك هذا بهتان عظيم.

من تلقاء نفسه!

العقادُ لا يعرف ملك الوحي الروح الأمين جبريلَ ـ عليه السلام ـ ولا يعرف توجيه السماء للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإنما عنده أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يفعل كل ذلك من تلقاء نفسه، بما أوتي من حاسة (الوعي الكوني) التي جعلته يفهم عن الله دون واسطة.!!

يقول: (هذا الإلهام النافذ السديد في تدبير المصالح العامة، وعلاج شئون الجماعات، هو الذي أوحى إلى الرسول الأمي قبل كشف الجراثيم، وقبل تأسيس الحجر الصحي بين الدول، وقبل العصر الحديث بعشرات القرون، أن يقضي في مسائل الصحة واتقاء نشر الأوبئة بفصل الخطاب الذي لم يأت العلم بعده بمزيد حيث قال: " إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها ") (13)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير