والمراد: أن الصحابة رضوان الله عليهم تلقوا (نص) ـ منطوق ـ وتلقوا معنى، وهذا كله هو ما جاءنا من الله على لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، هذا كله ما نحن ملزمين به ـ كتابعين لهؤلاء الكرام ـ. قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
وقال تعالى: (فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة: 137)
فالصحابة هم من أراد الله بوصف المؤمنين في هذه الآيات ذلك أن الله عز وجل شهد لهم بالإيمان في آيات أخرى من كتابه (26) قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 100).
وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (الفتح: 18).
عبادة النبي مصدرها الجاهلية!!
ويدَّعي عباس العقَّاد أن عبادة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قيامه وصيامه، لم يكن شيئاً من ذلك بتعاليم الوحي، يقول تحت عنوان (العابد) (تهيأ للعبادة بميراثة ونشأته وتكوينه. فولد في بيت السدانة والتقوى وتقدمه آباء يؤمنون ويوفون بإيمانهم، ويعتقدون ويخلصون فيما اعتقدوه .. ) (27)
وهو جاهل أو كذّاب فَسَدَانَةُ البيت لم تكن في بني عبد المطلب، ولا في بني عبد المناف وإنما كانت في بني عبد الدار، وحديث رد مفتاح الكعبة لعثمان بن طلحة معروف مشهور (28)
وأكد مراراً على أن ما كان بأبي بكر هو خلق أصيل فيه (أدب الطبع الذي يهتدي من نفسه بدليل) .. (يدري بوحي نفسه)!! (29)
ولم تكن عبادة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشبهها شيء من فِعال أهل الجاهلية، لا في قريش ولا في غيرها، أكانوا يركعون ويسجدون؟ أم كانوا يصومون؟ أو كان يحج كما يحجون؟!
العقاد لا يرى الوحي هذه حقيقة ثابتة في كل كتاباته عن أنبياء الله، وليس فقط عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم، فالأنبياء (العباقرة)، تعلموا من البيئة أو من تلقاء أنفسهم أو من شيءٍِ آخر ولكن ليس من الوحي بالمعنى الذي نعرفه!!
وهو يتكلم عن المسيح عليه السلام يقدم بمقدمة طويلة عن موطن المسيح (الجليل أو فينيقية أو كنعان) وكيف أنها كانت مدينة قوافل تجارية، وكيف أن المسيح عليه السلام ولد في بيئة عرفت التسامح وتنكرت للجمود، وحضرت الثورات، وحضر زوال مُلك مَلِكٍ وقيام مُلْكٍ لملك آخر، يقدم ذلك كله وكأنه هو الباعث على ما ظهر على يد المسيح ـ عليه السلام ـ من تسامح، ومن ثورة على الأوضاع ورغبة جامحة في تغيرها (30)
وهذا الفرض يكذبه العقاد نفسه، فكم تكلم عن جشع (العشارين)، وكم تكلم عن طوائف يهود (الفريسيين) و (الصدوقيون) .. طبقة المنافقين وطبقة الارستقراطيين كما يسميهم، وفي الأحداث قرينة تكذبه، وهي بعثة يحى عليه السلام، ذلك أنه يرتكز في كل ما يكتب على ضرورة الزمن، فيرى أن كل نبي يبعث بوحي مما حواليه .. يسميه ضرورة الوقت، ويرى أن هذه (ضرورة الوقت) كبرى الأمارات على النبوة، ومن أجلها ينكر النبوات. ويحي ـ عليه السلام ـ وعيسى ـ عليه السلام ـ كانت أوصافهم متضادة ـ كما يحكي العقاد ـ، أحدهم ـ يحي عليه السلام ـ قوي شديد يعظ الملك وينهره، ويواجه الناس بقوة، والثاني ـ عيسى عليه السلام ـ هين لين.فأيهم (أرسلته) ضرورة الوقت؟!!
لا أدري. ولا إخاله يدي. ولا تبحث فإن كل هذا كالبحث عن الماء فوق تل التراب، وإنه عباس العقاد أذهب الله بركته بإشغاله بما لا ينفع.
عيسى ـ عليه السلام ـ من أرسله؟!
¥