قال شيخ الإسلام: وهذا قول أكثر المعتزلة والأشعرية وغيرهم؛ يقرون بالصانع المحدث من غير تجدد سبب حادث ولهذا قامت عليهم الشناعات في هذا الموضع، وقال لهم الناس: هذا ينقض الأصل الذي أثبتم به الصانع؛ وهو أن الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح؛ فإذا كانت الأوقات متماثلة، والفاعل على حال واحدة لم يتجدد فيه شيء أزلاً وأبداً ثم اختص أحد الأوقات بالحدوث فيه، كان ذلك ترجيحاً بلا مرجح.
درء التعارض (4
153)
2 - والقائلون بأن الأجسام لا تبقى – زمانين - والأعراض لا تبقى يقول جمهور الناس: إنهم جحدوا العلوم الضرورية.
وهذا ذهب إليه النظام من المعتزلة فقال ببقاء الأجسام.
قال شيخ الإسلام: وفي الجملة فهذه المقدمة هو أن في المحدثات أمورا باقية هي حق لا ينازعه فيها أحد وما يحكي عن النظام أنه قال إن الأجسام لا تبقى إما أن يقال هو مخالفة للضرورة وإما أن يقال النزاع فيها لفظي وإما أن يقال النزاع فيها في مسألة أخرى وهو افتقار المحدث في حال بقائه إلى ما يبقيه فإنه قد قيل إن النظام إنما أراد بذلك مخالفة أصحابه المعتزلة الذين يقولون إن المحدث إنما يفتقر إلى المؤثر حين حدوثه لا حين بقائه فقال هو إن الباقي حال بقائه مفتقر إلى المؤثر وهذا الذي قاله النظام هو الذي قصده ابن سينا أيضا وهو الصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة وجماهير العقلاء.
الصفدية (2
183)
وهذه المسألة شبيهة بمسألة أن العرض لا يبقى زمانين.
3 - والقائلون بأن الأصوات المتعاقبة تكون قديمة أزلية الأعيان باقية وأن الأصوات المسموعة من الآدميين هي قديمة يقول جمهور العقلاء: إنهم خالفوا العلم الضروري.
قال شيخ الإسلام: ومنهم من قال: هو حروف أو حروف وأصوات قديمة أزلية لازمة لذاته لم يزل ولا يزال موصوفاً بها، وكلا الحزبين يقول: إن الله تعالى لا يتكلم بمشيئته وقدرته، وإنه لم يزل ولا يزال يقول: يا نوح، يا إبراهيم، يا أيها المزمل، أيها المدثر، كما قد بسطت أقوالهم في غير هذا الموضع.
جامع الرسائل (1
163)
وقال: والطائفة الأخرى التي وافقت ابن كلاب على أن الله لا يتكلم بمشيئته وقدرته قالت بل الكلام القديم هو حروف أو حروف وأصوات لازمة لذات الرب أزلاً وأبداً لا يتكلم بها بمشيئته وقدرته ولا يتكلم بها شيئاً بعد شيء، ولا يفرق هؤلاء بين جنس الحروف وجنس الكلام وبين عين الحروف قديمة أزلية، وهذا أيضاً مما يقول جمهور العقلاء أنه معلوم الفساد بالضرورة، فإن الحروف المتعاقبة شيئاً بعد شيء يمتنع أن يكون كل منها قديماً أزلياً وإن كان جنسها قديماً، لإمكان وجود كلمات لا نهاية لها وحروف متعاقبة لا نهاية لها، وامتناع كون كل منها قديماً أزلياً، فإن المسبوق بغيره لا يكون أزلياً.
جامع الرسائل (1
174)
وقال: وأما من قال: (إن الصوت المسموع من القارىء قديم) أو: (يسمع منه صوت قديم ومحدث) فهذا أظهر فسادا من أن يحتاج إلى الكلام عليه.
درء التعارض (1
355)
4 - والقائلون بأن الكلام هو معنى واحد: هو الأمر بكل ما أمر به والخبر عن كل ما أخبر به وأنه وإن عبر عنه بالعربية كان هو القرآن وإن عبر عنه بالعبرية كان هو التوراة يقول جمهور العقلاء إنهم جحدوا العلم الضروري.
قال شيخ الإسلام: وهذا الكلام فاسد بالعقل الصريح و النقل الصحيح فإن المعنى الواحد لا يكون هو الأمر بكل مأمور و الخبر عن كل مخبر و لا يكون معنى التوارة و الإنجيل و القرآن و احدا و هم يقولون إذا عبر عن ذلك الكلام بالعربية صار قرآنا و إذا عبر عنه بالعبرية صار توراة و هذه غلط فإن التوارة يعبر عنها بالعربية و معانيها ليست هي معاني القرآن و القرآن يعبر عنه بالعبرية و ليست معانيه هي معاني التوراة وهذا القول أول من أحدثه ابن كلاب و لكنه هو و من اتبعه عليه كالأشعري.
مجموع الفتاوى (8
424)
5 - والقائلون بأن العالم هو العلم والمعلوم والعاقل هو العقل والمعقول والعاشق هو العشق والمعشوق واللذة هي الملتذ والعلم هو القدرة والقدرة هي الإرادة يقول جمهور العقلاء: إنهم خالفوا العلوم الضرورية.
¥