تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأجاب أهل السنة على قول الأشاعرة بأن التفرقة بين القابل وغير القابل دعوى مجردة عن الدليل ومبنية على اصطلاح الفلاسفة الذين يزعمون أن التقابل إن كان بين الوجود والعدم كأن يقال الشيء إما موجود أو معدوم استلزم هذا التقابل الحكم عليه بأحدهما وأما إن كان تقابلا بين الملكة وعدمها كما في التقابل بين الحياة والموت والعلم والجهل والبصر والعمى إلخ فإن هذا التقابل لا يستلزم الاتصاف بأحدهما أي بالملكة أو بعدمها إلا فيما هو قابل للاتصاف بهما فلا يوصف بالموت مثلا إلا من شأنه أن يكون حيا ولا يوصف بالجهل إلا ما هو قابل للعلم ولا يوصف بالعمى إلا ما كان ذا بصر وهكذا.

قال أهل السنة: وهذا اصطلاح فاسد مخالف لما هو معروف عند أهل اللغات جميعا من جواز نفي الشيء عما هو له قابل وعن غيره.

وهذا لازم لكم أيضا فأنتم تنفون عنه الظلم سبحانه مع أنه غير قابل له عندكم لأن الظلم في حقه محال ممتنع.

وكذلك تنفون عنه السنة والنوم مع أنه غير قابل للاتصاف بشيء من ذلك لاستحالته عليه وتنفون عنه الطعم أيضا وقد نفاه سبحانه عن نفسه في قوله {وهو يطعم ولا يطعم} مع أن الطعم ليس مما يقبل الاتصاف به وتنفون عنه كذلك الزوجة والولد وهما محلان عليه ممتنعان.

قال أهل السنة:ومما يدل على أن الشيء قد يقع وصفا لغير ما هو قابل له أن الله قد وصف الجماد في كتابه بالموت والصمم والعمى ونفى عنه الشعور والنطق والقدرة على الخلق قال الله تعالى: {والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون} وقال {ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها} وقال حكاية عن إبراهيم {يا أبت لم تعبد ملا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا} ومعلوم أن الجماد غير قابل للاتصاف بملكات هذه الأعدام من الحياة والسمع والبصر إلخ ومع ذلك جاز اتصافه بهذه الأعدام.

وقال أهل السنة: ولو سلمنا لكم بصحة هذا الشرط وهو قابلية الموصوف للاتصاف وأن غير قابل يجوز خلوه عن الشيء ومقابلة فإنما يكون ذلك في الضدين اللذين قد يرتفعان معا عن الشيء مثل البياض والسواد ولا يجوز في النقيضين الذين لا يرتفعان ولا يجتمعان ومعلوم أن التقابل بين دخوله سبحانه في العالم وبين مباينته له هو من قبيل التقابل بين النقيضين فلا بد من ثبوت أحدهما له.

وقالوا لهم: إن نفيكم عنه قبول أحد هذين الوصفين الدخول والخروج من شأنه أن ينفي إمكان وجوده فضلا عن أن يكون واجب الوجود بل هذا يجعله من قبيل المعدوم الممتنع وهو يشبه في الفساد نفي القيام بالنفس والقيام بالغير عنه بحجة أنه ليس من شأنه الاتصاف بواحد منهما مع أن العقل والفطرة يقضيان بأن كل موجود فإما أن يكون قائما بنفسه أو قائما بغيره فإذا استحال أن يقوم بغيره وجب أن يكون قائما بنفسه.

شرح القصيدة النونية (1

193) لهراس بتصرف يسير

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير