[خالق بالقوة وخالق بالفعل ورازق بالقوة ورازق بالفعل]
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[04 - 04 - 09, 11:51 م]ـ
[خالق بالقوة وخالق بالفعل ورازق بالقوة ورازق بالفعل]
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
يقرر أهل السنة والجماعة أن الله متصف بصفات الكمال منذ الأزل (كان ولم يزل) من سمع وبصر وخلق ورزق وغيرها من صفات الكمال كما قال الإمام الطحاوي: وكما كان بصفاته أزليا كذلك لا يزال عليها أبديا ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري.
وقال الإمام أحمد: (بل نقول: إن الله لم يزل متكلما إذا شاء ولا نقول: إنه كان ولا يتكلم حتى خلق.
درء التعارض (1
275)
وقال أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التميمي الأصبهاني الشافعي في كتابه المعروف بالحجة على تارك المحجة: وكذلك قول من قال إن الخالق لا يسمى خالقا والرازق لا يسمى رازقا حتى يخلق ويرزق ويحصل منه الخلق والرزق وقالوا: إنما قلنا هذا لأن العقل والمشاهدة ينكران أن يتسمى أحد بأنه فاعل أو يتحلى بالفعل إذا خلا عن الفعل في الحال وإذا صح هذا صح أن الله لايتصف بالخالق والرازق ما لم يخلق ويرزق فيقيسون الخالق بالمخلوق ويشبهونه به ويقولون إن الخالق والرازق وأشباههما من صفات الله تعالى صفات للفعل لا صفات للذات وإذا كان الفعل موصوفا بصفة لم تحصل الصفة حتى يحصل الفعل وهذا إنما يصح في فعل المخلوق لا في فعل الخالق وفعل الخالق لا يشبه فعل المخلوق وقال أهل اللغة الفعل لا يوصف؛ لا يقال فعل قائم .. ولكن يقال زيد ضارب وعمرو ذاهب فقولهم الخالق والرازق صفة للفعل خطأ وإنا ذلك صفة للذات.
ومن الدليل على أن الصفات الصادرة عن فعل الله تعالى كالخالق والرازق والعادل والمحسن والمنعم والمحي والمميت والمثيب والمعاقب هي صفات لازمة له قديمة بقدمه لا لقدم معانيها الذي هو الخلق والرزق والإحسان والإثابة والعقاب لكن لتحقق وجود معانيها قال أحمد بن حنبل رحمه الله في رواية حنبل عنه: لم يزل متكلما عالما غفورا فوصفه بالغفران فيما لم يزل كما وصفه بالكلام والعلم خلافا لمن قال هي صفات محدثة لا يكون موصوفا بها في القدم ومن الدليل على صحة ما قلناه أن تحقق الفعل من جهته يوجب كونه صفة لازمة له قديمة بدليل وصفه في القدم أنه معيد وباعث ووارث وإن لم يعد ولم يبعث ولم يرث ويوصف بأنه رب قبل أن يخلق مربوب وأنه آله قبل أن يخلق المألوه ومن نفى هذه الصفات قبل وجود معانيها فقد خالف المسلمين ويبين صحة هذا قول أهل اللغة سيف مقطوع وخبز مشبع وماء مرو وإن لم يوجد منه القطع والشبع والري لتحقق الفعل منه.
الحجة في بيان المحجة (1
301)
والشبهة التي قامت في أذهان المتكلمين أنه لو اتصف بهذه الصفات لزم ووجب أن يكون معه حوادث منذ الأزل.
وقد وقع المتكلمون في حيرة وتناقض في هذه المسألة لما يلزم من إثبات النقص بصفات الله تعالى وتشبيهه بالمخلوق الذي كان معدوما ولم يكن قادرا على شيء حتى حصلت له كالكلام مثلا.
فأجاب بعض الأشاعرة بجواب كالجويني والغزالي وغيرهما أن الله كان – مثلا في صفة الخلق- خالقا بالقوة حتى خلق فصار خالقا بالفعل وهكذا في الرزق وهكذا في الكلام.
ويعنون بذلك قابلية اتصاف الله بصفة الخلق قبل أن يخلق فلما وقع منه الخلق صار خالقا بالفعل أي صارت هذه الصفة حقيقة.
قال الغزالي: ما يدل على الوجود مع إضافة إلى فعل من أفعاله كالجواد والرزاق والخالق والمعز والمذل وأمثاله، وهذا مختلف فيه، فقال قوم هو صادق أزلاً إذ لو لم يصدق لكان اتصافه به موجباً للتغير وقال قوم لا يصدق إذ لا خلق في الأزل فكيف خالقاً. والكاشف للغطاء عن هذا أن السيف في الغمد يسمى صارماً وعند حصول القطع به وفي تلك الحالة على الاقتران يسمى صارماً، وهما بمعنيين مختلفين، فهو في الغمد صارم بالقوة وعند حصول القطع صارم بالفعل وكذلك الماء في الكوز يسمى مروياً وعند الشرب يسمى مروياً وهما إطلاقان مختلفان فمعنى تسمية السيف في الغمد صارماً أن الصفة التي يحصل بها القطع في الحال لقصور في ذات السيف وحدته
¥