أيها المسلمون: بمحبة الله، والخوف من عذابه، والرجاء في ثوابه، نجا أصحاب محمد ?، يقول عمر بن الخطاب ?: (لو نادى مناد من السماء: أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلاً واحدًا، لخفت أن أكون هو، ولو نادى مناد: أيها الناس إنكم داخلون النار إلا رجلاً واحدًا، لرجوت أن أكون هو) ().
ولما قرأ الفاروق ? سورة الطور فبلغ قوله تعالى ? إن عذاب ربك لواقع ? بكى واشتد بكاؤه حتى مرض فعادوه، بل حتى شق البكاء في وجهه خطين أسودين، وكان يقال له: (مصّر الله بك الأمصار، وفتح بك الفتوح، فيقول: وددت أن أنجو لا أجر ولا وزر!).
ولما وقف عثمان بن عفان ? على القبر فبلّ البكاء لحيته قال: (لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رمادًا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير!).
فلنضع الثواب أمام أعيننا؛ لننهض إلى العبادة ونجد فيها، ولنضع العقاب نصب أعيننا؛ لنصون أنفسنا من الوقوع في المعاصي.
السبب الرابع: الانبهار بالدنيا وزينتها، والاغترار بنعمها الزائلة، وإن للدنيا من الفتنة العظيمة ما يتغيّر به حال العباد من الثبات إلى الفتور، ومن القوة إلى الضعف، من هنا حذّر خالقها سبحانه من الاغترار بها فقال: ? يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ?.
إنه لابد أن نعلم أن أيام الدنيا كأحلام نوم، أو كظل زائل، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيرًا،، وإن سرّت يومًا أو أيامًا ساءت أشهرًا وأعوامًا، وإن متعت قليلاً منعت طويلاً، وما حصّلت للعبد فيها سرورًا، إلا خبّأت له أضعاف ذلك شرورًا.
إنما الدنيا فناء
ليس في الدنيا ثبوت
إنما الدنيا كبيت
نسجته العنكبوت
ـ[الجارف]ــــــــ[05 - 04 - 09, 12:34 ص]ـ
يقول الحسن البصري: والذي نفسي بيده، لقد أدركت أقوامًا كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي يمشون عليه.
غير أنك أيها العبد لك أن تجعل هذه الدنيا بزينتها وبهرجها طريقًا إلى جنة ربك، كيف لا وهي مزرعة الآخرة وطريق لها، وهي وإن كانت ممرًا، فإنها توصلك إلى المقر، فاختر مقرك في ممرك.
لا تتبع الدنيا وأيامها ذمًا
وإن دارت بك الدائرة
من شرف الدنيا ومن فضلها
أن بها تستدرك الآخرة
قال الفضيل _ رحمه الله _: جعل الله الشرَّ كله في بيت، وجعل مفتاحه حبَّ الدنيا، وجعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا.
وقال رجل للفضيل بن عياض: كيف أصبحت يا أبا علي؟ فكان يثقل عليه: كيف أصبحت؟ وكيف أمسيت؟ فقال: في عافية، فقال: كيف حالك، فقال: عن أيّ حال تسأل؟ عن حال الدنيا أو حال الآخرة؟ إن كنت تسأل عن حال الدنيا، فإن الدنيا قد مالت بنا وذهبت بنا كل مذهب، وإن كنت تسأل عن حال الآخرة، فكيف ترى حال من كثرت ذنوبه، وضعف عمله، وفني عمره، ولم يتزود لمعاده، ولم يتأهب للموت، ولم يخضع للموت، ولم يتشمر للموت، ولم يتزين للموت، وتزين للدنيا ().
قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ بْنُ شَدَّادٍ: إِنِّي لَفِي الرَّكْبِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ? إِذْ أَتَى عَلَى سَخْلَةٍ مَنْبُوذَةٍ، فَقَالَ: أَتُرَوْنَ هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا؟ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنْ هَوَانِهَا أَلْقَوْهَا، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا) ().
فإذا علم العبد قيمة هذه الدنيا عند الله؛ بأن نعيمها يفنى، وجديدها يبلى، علم أنه لم يخلق لها، وإنما خلق للآخرة، فجد في العمل لها، ومزّق ثوب الفتور والتواني عن جسده، ولبس ثوب المثابرة في عبادته، ممتثلاً قول الله تعالى: ? واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ?.
السبب الخامس: طول الأمل، وهذا هو قاتل الهمم، ومفتر القوى، قرين التسويف والتأجيل، وحبيب الخاملين الهاملين، وعدو الأتقياء النابهين.
ويكفي طول الأمل مذمة الله له، حيث قال في كتابه: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ).
¥