[التوحيد والوحدانية عند الأشاعرة]
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[10 - 04 - 09, 06:49 م]ـ
[التوحيد والوحدانية عند الأشاعرة]
إن الحمد لله , نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ,وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
لعل أخطر القضايا التي أخطأ بها المتكلمون كالأشاعرة قضية تقرير الوحدانية لله سبحانه وتعالى والتي لا يتعدى هذا التقرير إثبات الربوبية لله سبحانه وتعالى؛ وفيه إغفال عظيم لتوحيد الألوهية والعبودية لله سبحانه وتعالى الذي هو الهدف والمقصد الأول من دعوة الرسل والأنبياء.
فجعلوا أخص صفات الإله القدرة على الاختراع ومعلوم أن هذا لا يتعدى توحيد الربوبية ومعلوم أن العرب الذين بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا لا يشكون بكون الرب سبحانه هو الخالق والرازق.
أمثلة لأقوال المتكلمين في تقرير الوحدانية لله.
قال أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري: إذا كان الخالق على الحقيقة هو الباري تعالى لا يشاركه في الخلق غيره فأخص وصفه تعالى هو: القدرة على الاختراع. قال: وهذا هو تفسير اسمه تعالى الله.
الملل والنحل (1/ 93)
وقال الجويني: صانع العالم واحد عند أهل الحق والواحد الحقيقي هو الشيء الذي لا ينقسم ,والدليل على وحدانية الإله أنا لو قدرنا إلهين اثنين وفرضنا عرضين ضدين وقدرنا إرادة أحدهما لأحد الضدين وإرادة الثاني للثاني فلا يخلو من أمور ثلاثة إما أن تنفذ إرادتهما أو لا تنفذ إرادتهما أو تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر.
واستحال أن تنفذ إرادتهما لاستحالة اجتماع الضدين واستحال أيضا ألا تنفذ إرادتهما لتمانع الإلهين وخلو المحل عن كلا الضدين.
فإذا بطل القسمان تعين الثالث وهو أن لا تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر فالذي لا تنفذ إرادته فهو المغلوب المقهور المستكره , والذي نفذت إرادته فهو الله القادر على تحصيل ما يشاء.
لمع الأدلة (86)
وقال الرازي في كتابه الإشارة: في أن الله تعالى واحد لا شريك له
اتفق العقلاء على استحالة موجودين متماثلين واجبي الوجود , والثنوية أثبتوا النور والظلمة ونسبوا الخيرات كلها إلى النور والشرور كلها إلى الظلمة ...
والحجة المشهورة في إثبات الوحدانية أن يقال لو قدرنا إلهين لكان لا يخلو إما أن يصح اختلافهما في الإرادة .. فذكر نحو ما ذكره الجويني.
الإشارة في أصول الكلام (234)
وفي شرح العقائد النسفية للتفتازاني عند قول الماتن:والمحدث للعالم هو الله تعالى الواحد.
قال:يعني صانع العالم واحد ولا يمكن أن يصدق مفهوم واجب الوجود إلا على ذات واحدة والمشهور في ذلك بين المتكلمين برهان التمانع المشار إليه بقوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} وتقريره أنه لو أمكن إلهان لأمكن بينهما تمانع بأن يريد أحدهما حركة زيد والآخر سكونه ... .
نقد تقريرهم في الوحدانية
قال شيخ الإسلام: وبهذا وغيره: يعرف ما وقع من الغلط في مسمى التوحيد فإن عامة المتكلمين الذين يقررون التوحيد في كتب الكلام والنظر: غايتهم أن يجعلوا التوحيد ثلاثة أنواع فيقولون: هو واحد في ذاته لا قسم له وواحد في صفاته لا شبيه له وواحد في أفعاله لا شريك له.
وأشهر الأنواع الثلاثة عندهم هو الثالث وهو (توحيد الأفعال) وهو أن خالق العالم واحد وهم يحتجون على ذلك بما يذكرونه من دلالة التمانع وغيرها ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب وأن هذا هو معنى قولنا لا إله إلا الله حتى قد يجعلوا معنى الإلهية القدرة على الاختراع.
ومعلوم أن المشركين من العرب الذي بعث اليهم محمد صلى الله عليه وسلم أولا: لم يكونوا يخالفونه في هذا بل كانوا يقرون بأن الله خالق كل شيء حتى أنهم كانوا يقرون بالقدر أيضا وهم مع هذا مشركون.
فقد تبين أن ليس في العالم من ينازع في أصل هذا الشرك ولكن غاية ما يقال: إن من الناس من جعل بعض الموجودات خلقا لغير الله كالقدرية وغيرهم لكن هؤلاء يقرون بأن الله خالق العباد وخالق قدرتهم وإن قالوا إنهم خلقوا أفعالهم.
¥