تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد اعتبر الطبري أبا للتفسير، كما اعتبر أبا للتاريخ الإسلامي، وذلك بالنظر لما في هذين الكتابين من الناحية العلمية العالية، ويقول ابن خلكان: إنه كان من الأئمة المجتهدين، لم يقلد أحدًا، ونقل: أن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي ذكره في طبقات الفقهاء في جملة المجتهدين، قالوا: وله مذهب معروف، وأصحاب ينتحلون مذهبه، يقال لهم الجريرية، ولكن هذا المذهب الذي أسسه ـ على ما يظهر ـ بعد بحث طويل، ووجد له أتباعًا من الناس، لم يستطع البقاء إلى يومنا هذا كغيره من مذاهب المسلمين؛ ويظهر أن ابن جرير كان قبل أن يبلغ هذه الدرجة من الاجتهاد متمذهبًا بمذهب الشافعي، يدلنا على ذلك ما جاء في الطبقات الكبرى لابن السبكي، من أن ابن جرير قال: أظهرت فقه الشافعي، وأفتيت به ببغداد عشر سنين.

علو همته:

كان رحمه الله عالي الهمة متوقد العزم ـ قال: عند تفسيره للقرآن: أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ قال: ثلاثون ألف ورقة، فقالوا هذا ما يفني الأعمار قبل تمامه فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة.

اتهامه بالوضع للروافض:

وقد اتُهِمَ رحمه الله بأنه كان يضع للروافض، وهذا رجم بالظن الكاذب، ولعله أشبه على صاحب هذا القول ابن جرير آخر، وهو محمد بن جرير بن رستم الطبري الرافضي.

وفاته:

مرض أبو جعفر بذات الجنب فجاءه الطبيب فسأل أبا جعفر عن حاله، فعرّفه حاله وما استعمل وما أخذ لعلته، وما انتهى إليه في يومه، فقال له الطبيب: ما عندي فوق ما وصفته لنفسك شيء، فلما كان يوم السبت لأربع بقين من شوال سنة عشر وثلاثمائة كانت منيته ودفن يوم الأحد، ولم يؤذن به أحد، فاجتمع على جنازته ما لا يحصى عددهم إلا الله، وصلى على قبره شهورًا ليلاً ونهارًا.

هذا هو ابن جرير؛ وهذه هي نظرات العلماء إليه، وذلك هو حكمهم عليه، ومن كل ذلك تبين لنا قيمته ومكانته.

ـ[ابن عبد الوهاب السالمى]ــــــــ[19 - 04 - 03, 11:19 م]ـ

التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:

يعتبر تفسير بن جرير من أقوم التفاسير وأشهرها، كما يعتبر المرجع الأول عند المفسرين الذين عنوا بالتفسير النقلي؛ وإن كان في الوقت نفسه يعتبر مرجعًا غير قليل الأهمية من مراجع التفسير العقلي؛ نظرًا لما فيه من الاستنباط، وتوجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، ترجيحًا يعتمد على النظر العقلي، والبحث الحر الدقيق.

ويقع تفسير ابن جرير في ثلاثين جزءًا من الحجم الكبير، وقد كان هذا الكتاب من عهد قريب يكاد يعتبر مفقودًا لا وجود له، ثم قدّر الله له الظهور والتداول، فكانت مفاجأة سارة للأوساط العلمية في الشرق والغرب أن وجدت في حيازة أمير (حائل) الأمير حمود ابن الأمير عبد الرشيد من أمر اء نجد نسخة مخطوطة كاملة من هذا الكتاب، طبع عليها الكتاب من زمن قريب، فأصبحت في يدنا دائرة معارف غنية في التفسير المأثور.

ما قيل في تفسيره:

ولو أننا تتبعنا ما قاله العلماء في تفسير ابن جرير، لوجدنا أن الباحثين في الشرق والغرب قد أجمعوا الحكم على عظيم قيمته، واتفقوا على أنه مرجع لا غنى عنه لطالب التفسير، فقد قال السيوطي رضي الله عنه " وكتابه ـ يعني تفسير محمد بن جرير ـ أجل التفاسير وأعظمها، فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، والإعراب، والاستنباط، فهو يفوق بذلك على تفسير الأقدمين ".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وأما التفاسير التي في أيدي الناس، فأصحها تفسير ابن جرير الطبري، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، وليس فيه بدعة، ولا ينقل عن المتهمين، كمقاتل بن بكير والكلبي ".

وقال النووي: " أجمعت الامة على أنه لم يصنف مثل تفسير الطبري ".

ويذكر صاحب لسان الميزان: أن ابن خزيمة استعار تفسير ابن جرير من ابن خالوية فرده بعد سنين، ثم قال: " نظرت فيه من أوله إلى آخره فما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير ".

وقال ابو حامد الإسفرايني: " لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل على كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيرًا ".

اختصار الطبري لتفسيره:

أن هذا التفسير كان أوسع مما هو عليه اليوم، ثم اختصره مؤلفه إلى هذا القدر الذي هو عليه الآن، فابن السبكي يذكر في طبقاته الكبرى " أن أبا جعفر قال لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فقال: ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا ربما تفنى الأعمار قبل تمامه، فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة، ثم قال: هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا؟، قالوا: كم قدره؟ فذكر نحوًا مما ذكره في التفسير، فأجابوه بمثل ذلك، فقال: إنا لله، ماتت الهمم، فاختصره في نحو ما اختصر التفسير " أ. هـ.

أولية تفسيره:

هذا ونسطيع أن نقول إن تفسير ابن جرير هو التفسير الذي له الأولية بين كتب التفسير، أولية زمنية، وأولية من ناحية الفن والصناعة.

أما أوليته الزمنية، فلأنه أقدم كتاب في التفسير وصل إلينا، وما سبقه من المحاولات التفسيرية ذهبت بمرور الزمن، ولم يصل إلينا شيء منها، اللهم إلا ما وصل إلينا منها في ثنايا ذلك الكتاب الخالد الذي نحن بصدده.

وأما أوليته من ناحية الفن والصناعة؛ فذلك أمر يرجع إلى ما يمتاز به الكتاب من الطريقة البديعة التي سلكها في مؤلفه، حتى أخرجه للناس كتابًا له قيمته ومكانته

ونريد أن نعرض هنا لطريقة ابن جرير في تفسيره، بعد أن أخذنا فكرة عامة عن الكتاب، حتى يتبين للقارئ أن الكتاب واحد في بابه، سبق به مؤلفه غيره من المفسرين، فكان عمدة المتأخرين، ومرجعًا مهمًا من مراجع المفسرين، على اختلاف مذاهبهم، وتعدد طرائقهم،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير