تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54 - 55].

هل تصورت دخول أهل الجنة الجنة، هل تخيلت اللحظة التي فيها تخطو أول خطوة إلى الجنة.

الإمام المجاهد أحمد رحمه الله قال له ولده: يا أبتي متى تستريح؟ قال: يا بني! عند أول خطوة نخطوها إلى الجنة.

تأمل كيف يختصر الإمام أحمد أكدار الدنيا وأحزانها، ويختصر -وهو الخبير بالسنة والكتاب- أهوال القيامة كلها، ويرى أن الأمر لا يستقيم لراحة عبد حتى يخطو أول خطوة ليأمن في ذلك اليوم الذي هو يوم الفزع الأكبر، فيا بشرى المؤمنين إذا دخلوا الجنة في نعيم متنوع فيه ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نعيم يكفي أن موضع السوط فيه خير من الدنيا وما فيها، يكفي أن غطاء رأس المرأة -نصيفها- في الجنة خير من الدنيا وما فيها.

ومن مشاهد الجنة العظيمة التي يعظم فيها الفوز المبين، اجتماع الشمل والتئام الأحبة في الجنة، فيا طيبه من مقام إذا اجتمعت فيها الأحبة، قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور:21].

فيا طيب جنة معك فيها الأبوان والزوجة والأولاد والأحبة على سرر متقابلين في جنات النعيم!

هل تصورت ذلك اليوم الذي تخطو فيه أول خطواتك في جنات النعيم؟ إنه مشهد تحصل عليه بقليل من العمل؛ لكن بإخلاص للواحد القهار تبارك وتعالى. وفي الجنة يعظم الأنس ويكثر حديث المؤمنين عن أحوالهم فيها، فما أطيبها من أحاسيس! وفي الجنة أيضاً يعظم حال المؤمنين حين يرون أهل النار في نار جهنم، وفي المقابل يشتد الأمر على الكافرين حين يرون أهل الجنة.

هذا المشهد من أعظم المشاهد، وتصور أهل الجنة في نعيم، وأهل النار في عذابهم ينظر بعضهم إلى بعض، تصور أنك في الجنة تنظر إلى أهل النار وما فيها من العذاب والنكال، وتصور أنك في النار تنظر إلى أهل الجنة وما فيها من النعيم، فأي الحالتين نختار؟ ((وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ)) [الأعراف:50]، فأهل الجنة يكلمون أهل النار قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ [الأعراف:50]. ويطلع المؤمن على أهل النار فيتذكر صاحباً له من قادة الضلالة كان يسخر منه ومن إيمانه، يبحث عنه فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ [الصافات:55] أي: في وسط نار جهنم، فيكلمه وهو في الجنة وذاك يسمع وهو في نار جهنم: تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ [الصافات:56] إنهم الأصدقاء والصديقات وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا الفرقان:27 - 28].

عجيب حديث أهل الجنة مع أهل النار، فلنجعل هذا المشهد أمامنا دائماً، ولنقرأ الآيات إذا مررنا عليها في كتاب الله تبارك وتعالى بتدبر ويقظة. ويتم النعيم بزوال الخوف والأحزان والأكدار حين يؤتى بالموت ويذبح بين الجنة والنار، ويقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت. ثبت ذلك في حديث صحيح عند الشيخين.

أما تمام النعيم وأعظمه فهو يوم المزيد، قال تعالى: ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:34 - 35]، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، فسرها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بأن الزيادة رؤية المؤمنين لربهم تبارك وتعالى في الجنة.

فيا له من يوم ما أعظمه! وما أشد سرور المؤمنين حين ينظرون إلى ربهم عياناً كما نرى الشمس اليوم ليس دونها سحاب، وكما نرى القمر ليلة البدر! يرون ربهم فيصيبهم من النور والضياء، ويجدون من اللذة ما يصغر معه نعيم الجنة على ما فيها من أنواع النعيم، ويرجعون إلى بيوتهم قد ازدادوا نوراً وضياءً، فهل اشتقنا إلى رؤية الله تبارك وتعالى (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه).

وتختم الأهوال أهوال أهل النار وفظاعتها، وتختم الأحوال أحوال أهل الجنة وطيبها بذلك الأمر المفظع، وهو الخلود أبد الآباد، فأهل الجنة يخاطبهم ربهم تبارك وتعالى فيقول: (ماذا تريدون؟ فيقولون: وماذا نريد يا ربنا، ألم تبيض وجوهنا وتنجنا من النار وتدخلنا الجنة؟ فيقول الله تبارك وتعالى: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً) ولهذا تكون خاتمة قول أهل الجنة إذا دخلوا الجنة وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الزمر:75].

أما أهل النار فيا شدة ذلك اليوم حين يقال لهم: خلود فلا موت.

هل من طالب وراغب إلى الجنة؟ أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أدنى أهل الجنة منزلة، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة أن الله يعطيه من نعيم الجنة مثل الدنيا من أولها إلى آخرها عشر مرات، إذاً فما حال المؤمنين الصادقين والمقربين والشهداء؟

دعوة إلى العمل:

هذه الأحوال والأهوال التي عرضنا لمشاهد منها نريد منها عبرة واحدة، ألا وهي تجديد المسار وصدق التوبة، والبدء بحياة جديدة تهاجر فيها إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، إلى الله بالتوحيد والإخلاص والمحبة والطاعة والامتثال، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم بالاتباع بعيداً عن الابتداع. فهل نبدأ المسيرة فينطلق الأب والأم والزوج والزوجة والأخ والأخت؟ هل نأخذ من هذا عبرة لنجدد ونحدد المسار؟

ـــــــــــــــــــــــــ

تمّ و الحمد لله.

المصدر ( http://islamlight.net/index.php?option=*******&task=view&id=13372&Itemid=34)

جعلني الله و إيّاكم و والدينا و أهلينا من أهل الجنّة بمنّه و فضله إنّه هو البرّ الرّحيم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير