[مداخلتي في جريدة عكاظ (كاملة) بخصوص برنامج الشيخ العودة ورسالة محمد عبده]
ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[16 - 04 - 09, 07:42 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
يادعاة الإسلام: فرقوا بين القَبول (الرباني) والقَبول (المزيَّف)!
أُذكِّر الشيخ العودة وغيره برسالة (التوحيد) لمحمد عبده .. قبلها النصارى .. وقرّظها الشيعة .. وطبعها المستشرقون!
لا أريد أن أُفسد لذة الفرح بحصول برنامج الشيخ سلمان العودة – وفقه الله – (الحياة كلمة) على نسبة عالية من المشاهدة في العالم العربي، ضمن أفضل البرامج الدينية .. فالمسلم يسعد ويفرح بكل خير ينتشر، وكل حق يُبلَّغ، وكل قَبول يوضع لعالم أو داعية أو طالب علم، لكني أُنبه هنا - في كلمة حان وقتها؛ تُساهم ولو قليلاً في تصحيح المسيرة - إلى: أن لاتُنسينا – الشيخ أو أحبابه – هذه النشوة وهذا الفرح التفريق بين قَبولين إذا ماخلط البعض بينهما، حصل اللبس، وكثر الاختلاف، وإذا ماتُنبه للفرق بينهما؛ أعطى ذلك الداعية والعالم قوة، واستعصاء على الباطل، بحول الله.
أعني بهما: قبول رباني، ورد مدحه في قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري: " إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلانًا فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القَبول في الأرض "، وهذا القَبول مما يتنافس فيه المتنافسون.
وقبول آخر مزيَّف، قد لا يُتنبه له كثيرًا، يُذكرنا بالفجر الكاذب الذي يغر المسلم بوميضه السريع عن الفجر الحقيقي الصادق، أو هو كما قال تعالى: (كسراب بقيعة .. حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا)، أو كما تقول العرب: " برقٌ خُلّب "، لاغيث فيه.
وتوضيح هذا: أن:
1 - القبول الرباني؛ هو القبول بين المؤمنين والصالحين من شهداء الله في الأرض، ومداره – بعد تفضل الله القائل (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)، وقوله: (وجعلنا لهم لسان صدق) – على أمر " الإخلاص "، وقول " الحق " – في جميع المسائل - دون كتم شيئ منه، أو لبسه ولو بيسير من الباطل، مما يوقع المسلم في المنهي عنه: (ولاتلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون).
2 - والقَبول المزيَّف، هو القَبول من أهل الباطل المتنوعين، ومداره على التخفف من أمور " الحق " تدريجيًا؛ إما بكتمان أو لبس بغيرها؛ أو استعمال لغة " ضبابية " تقبل التفسيرات المتنوعة، أو " تحييد للنفس " في مواقف لاتحتمل " الحياد "، وكل هذا في محاولة " فاشلة " لإرضاء جميع الأطراف؛ لهدف أو أجندة يُسعى لها، إلى أن يُصبح الساعي لهذا القَبول كما قال تعالى: (وإذًا لاتخذوك) - أي أهل الباطل - (خليلا).
ويحضرني من هذا القَبول المزيّف: " رسالة التوحيد " التي ألفها الشيخ محمد عبده، وأقامها – لكي يرضي الأطراف المتباينة! - على تقرير " توحيد الربوبية "، الذي أقر به حتى المشركون؛ حيث قال في مقدمتها (ص62): (أصل معنى التوحيد اعتقاد أن الله واحد .. وهذا المطلب كان الغاية العظمى من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم)! ولم يحتمل هذا تلميذه الشيخ رشيد رضا " وهو السلفي! "، رغم مبالغته في مدح الرسالة؛ لعلمه أنه يُخالف الحق، فقال في الهامش: (فات الأستاذ أن يُصرح بتوحيد العبادة .. إلخ)! وكيف يفوته هذا الأمر العظيم وهو يؤلف في توحيد الله؟!
فكانت النتيجة أن وجدت الرسالة وصاحبها " القبول المزيّف " بين الناس؛ فقال أحد النصارى! عن " الشيخ ": (إن جميع الطوائف عندنا تُجل سماحة الأستاذ، وتعشق مشربه في الإصلاح)! (المرجع السابق، ص 25)، وقرَّظ رسالته نصراني آخر (المرجع السابق، ص 26)، وقرّظها أيضًا أحد علماء الشيعة! (المرجع السابق، ص33 - 34)، بل اقترح أحد النصارى تدريسها في المدارس النصرانية! (المرجع السابق، ص24). وطبعها بعض المستشرقين! (المرجع السابق، ص 51).
فعلى العالم أو الداعية أن يزن قَبوله بميزان الشرع، لا بميزان القَبول المزيّف، وأن يكون (مقصد) دعوته تعبيد الناس لرب العالمين؛ بالدعوة إلى التوحيد والعقيدة الصحيحة، وقول الحق في المسائل العلمية، دون مداهنة أو مجاملة، وليُبشر بعدها بما يسره في الدنيا والآخرة، أجرًا وقبولا وحُسن عاقبة. وفق الله الشيخ العودة ودعاة الإسلام إلى مايُحب ويرضى.
ويحسن في الختام أن أقول ما قاله الشيخ محب الدين الخطيب – رحمه الله – في رسالته لصاحبه الوزير لطفي الحفار – رحمه الله -: (وكنتُ أؤثر أن أجعل رسالتي هذه إليك مخطوطة لا مطبوعة، ومطوية لا منشورة، لولا أن الذين أحببتُ أن يقرؤوها معك كثير عددهم، وهي في معنى الخير، والخير لا يُستخفى). (مجلة الفتح ع 644). والله الهادي ..
* * * * * * * * * * *
(تنبيه: قام المشرف على ملحق الدين والحياة بجريدة عكاظ بنشر جزء من المداخلة السابقة! هذا اليوم: الخميس: 20/ 4 / 1430هـ رغم وعده بنشرها كاملة!، وجعل العنوان " أُحذر العودة "! بدل " اُذكّر الشيخ العودة "، وشتان بينهما! - هداه الله -).
¥