قال الحافظ ابن عبد البر في " التمهيد ": هذا كتبته من حفظي، وغاب عني أصلي: إن عبد الله العمري العابد كتب إلى مالك يحضه على الانفراد والعمل. فكتب إليه مالك:
إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد.
فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن
يكون كلانا على خير وبر.
قال عبد الرحمن بن مهدي سألت مالك بن أنس عن حديث وهو واقف فأبى أن يحدثني فلما قعد قال:
يا هذا إنك سألتني وأنا واقف وكرهت أن أحدث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا واقف.
عن ابن القاسم قال: قيل لمالك: لِمَ لَم تأخذ عن عمرو بن دينار؟ قال: أتيته، فوجدته يأخذون عنه قياماً،
فأجللت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آخذه قائماً.
إسماعيل بن أبي أويس، قال:
سألت خالي مالكاً عن مسألة، فقال لي: قر، ثم توضأ، ثم جلس على السرير ثم قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وكان لا يفتي حتى يقولها.
خالد بن خداش قال ودعت مالك بن أنس فقلت أوصني يا أبا عبد الله قال
تقوى الله وطلب العلم من عند أهله
قال إسماعيل بن أبي أويس سمعت خالي مالك ابن أنس يقول
إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فقد أدركت سبعين وأشارت بيده إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يقول قال فلان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم آخذ عنهم شيئا ولو أن أحدهم أؤتمن على بيت مال لكان به أمينا وكان يقدم علينا ابن شهاب الزهري فنزدحم على بابه.
إبراهيم بن المنذر: حدثنا معن، وغيره، عن مالك، قال:
لا يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه يعلن السفه، وإن كان أروى الناس، وصاحب بدعة يدعو إلى هواه، ومن يكذب في حديث الناس، وإن كنت لا أتهمه في الحديث، وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يحدث به.
قال يحيى بن سليمان بن نضلة المدني سمعت مالك بن أنس يقول
لا أوتى برجل يفسركتاب الله غير عالم بلغات العرب إلا جعلته نكالا.
عن خلف بن عمر، سمع مالكاً يقول:
ما أجبت في الفتوى حتى سألت من هو أعلم مني: هل تراني موضعاً لذلك؟ سألت ربيعة، وسألت يحيى بن سعيد، فأمراني بذلك. فقلت: فلو نهوك؟ قال:
كنت أنتهي، لا ينبغي للرجل أن يبذل نفسه حتى يسأل من هو أعلم منه.
ابن وهب، قال لي مالك:
العلم ينقص ولا يزيد، ولم يزل العلم ينقص بعد الأنبياء والكتب.
ابن وهب: سمعت مالكاً يقول:
ما تعلمت العلم إلا لنفسي، وما تعلمت ليحتاج الناس إلي، وكذلك كان الناس.
سأل رجل مالكاً عن مسألة، فأجابه، فقال: أنت من الناس، أحيانا تخطئ، وأحيانا لا تصيب، قال: صدقت. هكذا
الناس.
فقيل لمالك: لم تدر ما قال لك؟ ففطن لها، وقال:
عهدت العلماء، ولا يتكلمون بمثل هذا، وإنما أجيبه على جواب الناس.
ابن وهب: سمعت مالكاً يقول:
حق على من طلب العلم أن يكون له وقار، وسكينة، وخشية، والعلم حسن لمن رزق خيره، وهم قسم من الله تعالى، فلا تمكن الناس من نفسك، فإن من سعادة المرء أن يوفق للخير، وإن من شقوة المرء أن لا يزال يخطئ، وذل وإهانة للعلم أن يتكلم الرجل بالعلم عند من لا يطيعه.
عن آيات وأحاديث صفات الله عز وجل:
عن يحيى بن يحيى يقول: كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى}
فكيف استوى؟، قال: فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرحضاء ثم قال:
الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلاّ مبتدعاً.
فأمر به أن يُخرج.
[أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 305،306). وفي الاعتقاد (ص:56)، وقال الذهبي هذا ثابت مختصر العلوّ (ص:141). ورواه عن مالك طائفة]
في بعض روايات الأثر أن الرجل ناداه: يا أبا عبد الله، والله الذي لا إله إلاَّ هو، لقد سألتُ عن
هذه المسألة أهلَ البصرة والكوفة والعراق، فلم أجِد أحداً وُفِّق لما وُفِّقت له
وقال يحيى بن خلف الطَرسوسي: "كنت عند مالك فدخل عليه رجل، فقال: يا أبا عبد الله ما تقول فيمن يقول:
القرآن مخلوق؟ فقال مالك: زنديق، اقتلوه، فقال: يا أبا عبد الله، إنّما أحكي كلاماً سمعته، قال: إنّما سمعته منك، وعظَّم هذا القول".
¥