تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا، والناظر في مجموع طرق الحديث يدرك أنَّ الطريق الأول وإن كان ضعيفًا من جهة الإرسال وليس فيه تهمة في صدق الراوي وديانته إلاَّ أنَّ الطرق الأخرى لا تخلو من ذلك , فإنَّ طريق عكرمة عن ابن عباس فيه حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس تركه أحمد وله أشياء منكرة، وقال النسائي: متروك، وتركه البخاري، وقال: يقال إنه متهم بالزندقة (22).

أمَّا الطريق الثالث ففيه إبراهيم بن أبي حبيبة ضعيف له مناكير، وفيه الواقدي متروك الحديث، وكذا الطرق الأخرى.

وعليه، فلا يتقوى الحديث بكثرة طرقه مهما تعدَّدت؛ لأنها ناشئة من تهمة في صدق الرواة ودينهم، وإنما يرتقي ويتقوَّى بكثرة الطرق إذا كان ضعف رواته في مختلف الطرق ناشئًا من جهة سوء حفظهم كما نبَّه إليه أهلُ الحديث.

هذا، وعلى فرض صحة الأثر فإنَّ قول القائل: «ندفنه في مسجده» أو «عند المنبر» معارض بحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: «لما نزل برسول الله - صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - طفق يطرح خميصةً له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها فقال: وهو كذلك: لَعْنَةُ اللهِ عَلَى اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ. يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أُبْرِزَ قبرُه، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدًا» (23).

والمرادُ أنه لولا تحذير النبي - صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - ما صنعوا ولعن مَن يفعل ذلك لدفن خارج بيته، غير أنه خَشِي [أي النبي - صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم -] أن يُتخذ قبرُه مسجدًا على رواية الفتح، أمَّا «خُشِيَ» على رواية الضم فهي خشية واقعة من الصحابة - رضي الله عنهم -، ولا تعارضها روايةُ عائشة - رضي الله عنها -: «غير أني أخشى»؛ لأنَّ إخبار وقوع الخشية من فرد لا ينافي وقوعها في مجموع الأفراد.

ومن جهة أخرى: يجوز أن يشير أحدُهم بأن يدفن في بيته قطعًا لذريعة الشرك وليس في ذهنه إلاَّ تلك الخشية، وبعضهم يشير إلى الرأي نفسه ومعه علم بأن النبي - صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - قال: «مَا قُبِضَ نَبِيٌّ إِلاَّ دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ»، كما يجوز على بعضهم أن لا يتفطن إلى هذا المعنى لغلبة معنى آخر في الرأي فيشير إلى دفنه بالبقيع لعلة أنه كان كثيرًا ما يستغفر لهم فيدفن مع أصحابه، أو يشير بعضهم إلى أنَّ دفنه في مسجده أو عند منبره لعلة موضع خطابته وصلاته وإمامته بالناس مع غياب المعنى الأول، وهو - بلا شك - قول موقوف على اجتهاد صحابي لم يعينه الحديث مع احتمال أنه لم يبلغه التحريم، وخاصة أن أحاديث التحريم كانت قريبة العهد بوفاته - صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم -، ولا يلزم من سكوت الصحابة - رضي الله عنهم - في ذلك الوقت سكوتهم في أي وقت وإقرارهم على مبلغ اجتهاده، فهم أعلم بذلك الظرف ومناسبته لمقام الإنكار فيه من عدمه، علمًا بأنَّ جمهور الصحابة - رضي الله عنهم - قد بيَّنوا الحكمَ بيانًا يسقط وجوب الإنكار فيما نقلوا من أحاديثَ مرفوعةٍ ومتواترة وصريحة في تحريم بناء المساجد على القبور، وهي نصٌّ في المسألة. ويؤيِّد قيام الإنكار من النبيِّ - صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - ما روى ابن سعد بسند صحيح عن الحسن (وهو البصري) قال: «ائتمروا (24) أن يدفنوه - صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - في المسجد فقالت عائشة - رضي الله عنها -: إنَّ رسول الله - صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - كان واضعًا رأسه في حجري إذ قال: «قَاتَلَ اللهُ أَقْوَامًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»، واجتمع رأيهم أن يدفنوه حيث قبض في بيت عائشة (25).

- وفي قوله - هداه الله -: «وبتأمُّلنا إلى دفنه - صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - في ذلك المكان، نجد أنه - صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - قبض في حجرة السيدة عائشة - رضي الله عنها - …».

فجوابه من وجوه:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير