أيضاً هذا ورد عن الإمام الحسن البصري -رحمه الله- ورواه عنه ابن جرير وغيره، والمقصود بكلام الحسن أيضاً حل السحر بسحر مثله (لا يحل السحر إلا ساحر)،بمعنى أن هذا مُحَرَّم من حلَّ السحر عند ساحر بسحر مثله فهذا محرم، وهذا مفهوم كلام الحسن -رحمه الله- فالمقصود بذلك النُشْرَة الشركية التي يكون فيها تقرب إلى غير الله واستعانة بالجن والشياطين.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "النُشْرَة حل السحر عن المسحور وهي نوعان:
أحدهما: حل السحر بسحر مثله وهو من عمل الشيطان، وعليه يحمل قول الحسن ويتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب فيبطل عمله عن المسحور.
الثاني: النُشْرَة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة فهذا جائز").
هذا الكلام من الإمام ابن القيم -رحمه الله- وفي الجمع بين كلام العلماء فليس بين كلامهم تعارض، من أجاز النُشْرَة، ومن منعها فيحمل كلام العلماء على أحسن المحامل، وهو الذي ذكره الإمام ابن القيم -رحمه الله- وكلام الإمام سعيد بن المسيب في إجازة النُشْرَة هي في النُشْرَة الشرعية التي تكون بالرقى والأدوية المشروعة ونحو ذلك، وأما كلام الحسن في أنه لا يحل السحر إلا ساحر فإنه يحمل على النُشْرَة الشركية التي يكون فيها استعانة بالجن والشياطين.
وفي الحقيقة: أن الله -سبحانه وتعالى- ما أنزل داء إلا أنزل له دواءً أو شفاءً عَلِمَه من عَلِمَه وجَهِلَهُ من جهله، الإنسان يسعى في طلب الدواء.
والله -عز وجل- لم يجعل شفاء هذه الأمة بما حُرِّمَ عليها، لا يمكن أن يحرم الله -عز وجل- شيء ويجعل الشفاء فيه، بل الشفاء فيما أحل الله -سبحانه وتعالى- فعلى المسلم أن يبحث عن الأدوية المباحة التي تنفعه ولا تضره في دينه، فإن عقيدته وإيمانه وتوحيده أهم عليه من حياته.
4 - أنا أحب أن أبين هنا أن العلاج الشرعي هو يحتاج إلى مداومة مثل العلاج الطبي البدني تجد بعض الأمراض يحتاج علاجها إلى سنة أو سنتين حتى يشفى المريض، بينما تجد بعض المرضى يذهب ويريد أنه في جلسة واحدة أنه يشفى، وقد يكون عنده موانع وحواجز، ويحتاج إلى تكرار هذه الأمور حتى يأذن الله -سبحانه وتعالى- بشفاءه وقد يشفى في أول مرة، لكن على الإنسان لا ييأس، وأن يوقن بأن كلام الله حق، وأن يكثر من الإيراد على نفسه والرقية؛ لأن هذا مرض، ويتعلم الرقية الشرعية ويرقي نفسه أو يرقيه غيره من الرقى الواردة، كما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يرقي يقول: (اللهم رب الناس اذهب الباس اشفي أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً) وورد أنه أرشد إلى وضع اليد على الموضع الذي يشتكي منه ويقول: (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) سبع مرات، وغيرها من الأوراد والأذكار والرقى، يحافظ عليها ويكررها، وأيضًا يحاسب نفسه عن ما قد يكون فيه من الموانع التي تمنع من تأثيرها.
طبعاً هذا عن سعيد بن المسيب كما سبق وهو صحيح، رواه البخاري -رحمه الله- لكن نحن نحسن الظن بالعلماء ونعلم كلام الإمام سعيد، ولا يؤخذ بالمجملات ويترك التفصيل، ولا يؤخذ بالمتشابهات وتترك المحكمات، وحتى على فرض أن سعيد بن المسيب -رحمه الله- أنه أجاز ذلك، فكلام الله -سبحانه وتعالى- مقدم على كلام كل أحد، وكلام النبي -صلى الله عليه وسلم- مقدم على كلام كل أحد، ولكنا نحن نحسن الظن بأهل العلم؛ لأنهم لا يمكن أن يجيزوا شيئاً حرمه الله - عزو جل-، والله -عز وجل- يقول: ? وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ? [البقرة: 102]، فكيف يقول الإمام سعيد بن المسيب وهو سيد من سادات التابعين يقول بجوازه!!! هذا لا يقوله، فإحسان للظن به، نحمل كلامه كما ذكره الإمام ابن القيم -رحمه الله- أنه أراد حل السحر عن المسحور بالرقى الشرعية وبالأدوية المشروعة، هذه التي يراد بها الإصلاح، وهذه التي تنفع الناس أما السحر فلا ينفع الناس، فالسحر يضر الناس بنص كلام الرب -سبحانه وتعالى-.
5 - تسائل آخر حول ما يقوم به بعض الرقاة - هداهم الله- حينما يشيعون مثل هذه الأمور، ويطلقون على كل إصابة أو شبهة إصابة بمرض أو كذا .. بأنها إنما هي مس أو عين أو سحر، كلامكم فضيلة الشيخ لمن يذهب إلى هؤلاء، وبمن يمارسون هذه الممارسات؟.
الحقيقة أن هذه الأمور: الناس فيها طرفان، وسط من الناس من ينكر أو يتنكر لأي شيء يقول: إنه سحر أو عين أو نحو ذلك، ولا يعترف بها وهذا باطل، ومن الناس في الطرف الآخر يفسر كل شيء يصيب الإنسان من أمراض سواءً عضوية أو نفسية أو غيرها، يفسرها بأنها سحر أو جن أو عين أو غير ذلك، وهذا أيضاً غير صحيح، والصواب: أننا نحن نعترف بهذه الأمور ولا ننكرها، ولكن الشأن في تنزيلها على وقائعها هل هذا الشخص فعلاً هو المصاب، فيه عين أو فيه سحر أو فيه مس؟ التشخيص هذا هو الذي يختلف فيه الناس وربما أن بعض هؤلاء الذين يتزعمون الرقية على مثل أولئك، قد يكون بعضهم له مصلحة فيربط هذا المريض به، وبعضهم قد لا يكون دقيقاً في تشخيصه؛ لأنه هو أيضاً مبني على تجارب، وبعضهم قد يكون صادقاً بناءاً على تجاربه، وبعض الظواهر وظنه الغالب فيعمل بالظن الغالب فإذا كان هذا الشخص يرقي بالرقى الشرعية فالرقى الشرعية واردة ومشروعة سواءً كان لهذا المرض أو لذاك، فيعني كونه يقول: إن فيه كذا أو كذا لا يغير من الأمر شيئاً إذا كانت الرقية على وفق ما جاءت به الشريعة والله أعلم.
¥