تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

17 - صدق المحبة، موافقة المحبوب في محابه ومساخطه، فالمحب يفعل ما يحبه محبوبه من أمور، ويترك ما يكرهه، ويبغضه محبوبه، فمن يحب الله - عز وجل- تجده يسارع في طاعاته، وفعل ما يحبه، ويجتنب ما يكرهه الله، -سبحانه وتعالى- أو يكرهه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فهذه هي صدق المحبة، تبغض ما يبغضه، تحب ما يحبه، تفعل ما يريده، تترك ما يكرهه، هذه علامة صدق المحبة.

وأيضاً إذا ارتفع الإنسان في درجات المحبة، فإنه يجد اللذة والراحة في القرب من محبوبه، وفعل ما يحبه، كما كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: (يا بلال أرحنا بالصلاة) فيجد الراحة فيها، وقرة عينه في الصلاة؛ لأنه يجد لذة مناجاة الله - سبحانه وتعالى - والقرب منه، وهي من الأمور التي يحبها الله - سبحانه وتعالى- بل يجد الراحة والطمأنينية والسعادة، حينما يفعل ما يحبه محبوبه. ويجد الضيق والحرج ونحو ذلك، في القرب من ما يكرهه محبوبه، أو أن يشاهده في مكان، لا يحبه أو على فعل لا يرضاه، فتجده متضايق من هذا.

هذه علامة صدق المحبة، محبة ما يحبه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من الأقوال، والأفعال، والأشخاص، والبقاع، وغير ذلك، وبغض واجتناب ما يكرهه الله - سبحانه وتعالى- أو يكرهه الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الأقوال، والأفعال، والأماكن، والأشخاص، وغير ذلك، فهذه هي علامة الصدق، وعلامة صحة المحبة، فبرهانها أن يجد الإنسان الارتياح في لقاء محبوبه، وفي فعل ما يحبه محبوبه؛ لأنه يجد القرب منه بذلك.

18 - وأيضاً أحب أن أنبه على عبارة أثرت عن رابعة العدوية، حيث نقل عنها: أنها قالت: اللهم إني لم أعبدك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك، ولكن حباً فيك.

الشخص حينما يسمع هذه العبارة ينبهر لها، يقول: انظر كيف وصل الحب، حب الله - سبحانه وتعالى- بحيث أن هذه العابدة، أحبت الله لا خوفاً من ناره، ولا طمعاً في جنته، وهذا ما يتغنى به بعض المنحرفين من الصوفية وغيرهم، ويزعمون أنهم استوى عندهم الأمران، استوى عندهم دخول الجنة ودخول النار، المهم أنهم يعيشون في محبة الله، كما ذكر عن سمنون يقول: أنه قال:

وليس لي في سواك حظ ... فكيف ما شئت فابتليني

فابتلاه الله -عز وجل- بحصر البول، حتى مكث أياماً لا يبول، وصار يتقلب من الألم، ويخرج إلى الأسواق، ويعطي الصبيان الحجارة، ويقول ارموا عمكم الكذاب، ما استطاع أن يصبر على البلاء، فكيف يقول الإنسان: أنا لم أعبدك خوفاً من نارك؟ سبحان الله! والله -عز وجل- مدح عباده المؤمنين بأنهم يدعونه خوفاً وطمعاً: ? أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ? [الزمر: 9]، وقال سبحانه وتعالى: ? يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا ? [السجدة: 16]، وقال: ? إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ? [الأنبياء: 90]، الإنسان يجمع بين الرغبة والرهبة، ويخاف من النار، ويسأل ربه الجنة، وقد سألها أفضل الخلق، وهو الرسول -صلى الله عليه وسلم-، استعاذ بالله - عز وجل- من النار، فكيف يأتي شخص، ويقول: لم أعبدك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك، ولكن حباً فيك. هذا غلط.

19 - (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سوهم) وعلامة المحبة: أن يحب ما يحبه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وأن يكره ما يكرهه الله، ويكرهُه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأن يؤثر مرضاة الله - عز وجل - ومرضاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- على كل شيء، وأن يسعى في ذلك، وأن يبتعد عن الحرام، بل يبتعد حتى عن المكروهات، بل يبتعد حتى عن المشتبهات، إذا بلغ الإنسان درجة من صدق المحبة، فإنه يبتعد حتى عن المشتبه، الأمور التي اشتبهت عليه، أو حتى الأمور التي اختلف فيها العلماء، فإنه يحتاط لدينه، هذه علامة الصدق، كما ورد أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)، فالمحب لله - عز وجل- والمحب للرسول -صلى الله عليه وسلم- يحرص على فعل الأوامر، واجتناب النواهي، ويحرص على فعل السنن، وترك المكروهات، بل إنه يتورع عن فضول المباحات، التي تقطعه عن الاشتغال بالمستحبات، يعني يترك المفضول الذي يقطعه عن الفاضل، فيوازن بينها، ويحرص على كل عمل أو قول أو

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير