و قال تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (النور: 54)
وقال تعالى: (وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (العنكبوت: 18)
وقال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (النحل: 35)
وقال تعالى: ((فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) (النحل: 82)
وقال تعالى: (وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) (يس: 17)
والبلاغ المبين هو: الذي يحصل به توضيح الأمور المطلوب بيانها (13). أو هو الَّذِي يُبِين عن معناه لمن (14) أَبْلَغَهُ, ويفهمه من أُرْسِلَ إليه (15).
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يأتنا فقط بألفاظ القرآن بل بألفاظ القرآن وبمراد الله من هذه الألفاظ.
والصحابة رضوان الله عليهم لم يتلقوا من النبي صلى الله عليه وسلم فقط منطوق القرآن الكريم ثم ذهبوا يفهمونها كما شاءوا. لا. بل كانوا يتعلمون الإيمان ثم يضبطون ما فهموه بالقرآن الكريم كما جاء في الحديث. عن جُنْدُبِ بن عبد الله قال كنا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونحن فتيان حَزَاوِرَةٌ فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قبل أن نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا (16).
وجاء في مسند الإمام أحمد من حديث أَبِي عبد الرحمن (17) قال: حدثنا من كان يُقْرِئُنَا من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنهم كانوا يَقْتَرِئُونَ من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عَشْرَ آيَاتٍ فَلَا يَأْخُذُونَ فِي الْعَشْرِ الْأُخْرَى حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِي هَذِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ قَالُوا فَعَلِمْنَا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ.
والمراد: أن الصحابة رضوان الله عليهم تلقوا (نص) ـ منطوق ـ وتلقوا معنى، وهذا كله هو ما نحن ملزمين به ـ كتابعين لهؤلاء الكرام ـ. قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
وقال تعالى: (فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة: 137)
فالصحابة هم من أراد الله بوصف المؤمنين في هذه الآيات ذلك أن الله عز وجل شهد لهم بالإيمان في آيات أخرى من كتابه (18) قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 100).
وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (الفتح: 18).
والخلاصة أنه لا بد ـ من وجهة نظري ـ من إعادة تعريف النص الشرعي على أنه: منطوق القرآن كما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم وأقرهم عليه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا يجوز لأحد أن يأخذ آية من كتاب الله ثم بعد ذلك يفهمها ويطبقها بغير الفهم والتطبيق الذي كان عليه صحابة النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ؛ إذ أنه من المعروف أن (العمل المتوارث المستمر من عصر الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم حجة شرعية يجب إتباعها، وتلقيها بالقبول) (19).
فمن أراد أن يناقش النص فليناقشه في سياقه الكامل الذي يشمل دلالته الشرعية المأخوذة من فعل الصحابة رضوان الله عليهم.
¥