قال أبو الحسن الدارقطني: وإبراهيم إمام بارع في كل علم، صدوق.
أبو ذر الهروي: سمعت أبا طاهر المخلص، سمعت أبي: سمعت إبراهيم الحربي، وكان وعدنا أن يملي علينا مسألة في الاسم والمسمى، وكان يجتمع في مجلسه ثلاثون ألف محبرة، وكان إبراهيم مقلا، وكانت له غرفة، يصعد، فيشرف منها على الناس، فيها كوة إلى الشارع، فلما اجتمع الناس، أشرف عليها، فقال لهم: قد كنت وعدتكم أن أملي عليكم في الاسم والمسمى، ثم نظرت فإذا لم يتقدمني في الكلام فيها إمام يقتدي به، فرأيت الكلام فيه بدعة، فقام الناس، وانصرفوا.
فلما كان يوم الجمعة، أتاه رجل، وكان إبراهيم لا يقعد إلا وحده، فسأله عن هذه المسألة، فقال، ألم تحضر مجلسنا بالأمس؟ قال: بلى. فقال: أتعرف العلم كله؟ قال: لا. قال: فاجعل هذا مما لم تعرف.
وبالإسناد: قال إبراهيم: ما انتفعت من علمي قط إلا بنصف حبة، وقفت على إنسان، فدفعت إليه قطعة أشتري حاجة، فأصاب فيها دانقا، إلا نصف حبة، فسألني عن مسألة، فأجبته، ثم قال للغلام: أعط أبا إسحاق بدانق، ولا تحطه بنصف حبة.
وسمعته يقول: أقمت ثلاثين سنة، كل ليلة إذا أويت إلى فراشي، لو أعطيت رغيفي جارتي لاحتجت إليهما.
ويروى: أن إبراهيم لما صنف "غريب الحديث"، وهو كتاب نفيس كامل في معناه. قال ثعلب: ما لإبراهيم وغريب الحديث؟، رجل محدث. ثم حضر مجلسه، فلما حضر المجلس سجد ثعلب، وقال: ما ظننت أن على وجه الأرض مثل هذا الرجل.
rقال أبو ذر الهروي: حكى لي بعض أصحابنا ببغداد، أن إبراهيم الحربي كان سمع مسائل ابن القاسم علي بن الحارث بن مسكين، وحصل سماعه مع رجل، ثم مال إلى طريقة الكلام، فلم يستعرها منه إبراهيم، ورجع، فسمعها من الحسن بن عبد العزيز الجروي عن ابن أبي الغمر، عن ابن القاسم.
قلت: نعم، يظهر في تصانيف الحربي أنه ينزل في أحاديث، ويكثر منها، وهذا يدل على أنه لم يزل طلابة للعلم.
وروى المخلص، عن أبيه: أن المعتضد بعث إلى إبراهيم الحربي بمال، فرده عليه أوحش رد، وقال: رُدها إلى من أخذتها منه، وهو محتاج إلى فلس. وكان لا يغسل ثوبه إلا في كل أربعة أشهر مرة. ولقد زلق مرة في الطين، فلقد كنت أرى عليه أثر الطين في ثوبه إلى أن غسله.
قال عبد الوهاب بن عبد العزيز التميمي الحنبلي: أخبرنا أبو الحسين العتكي، قال: سمعت إبراهيم الحربي يقول لجماعة عنده: من تعدون الغريب في زمانكم؟ فقال رجل: الغريب: من نأى عن وطنه. وقال آخر: الغريب: من فارق أحبابه. فقال إبراهيم: الغريب في زماننا: رجل صالح، عاش بين قوم صالحين، إن أمر بمعرف آزروه، وإن نهى عن منكر أعانوه، وإن احتاج إلى سبب من الدنيا أمدوه، ثم ماتوا وتركوه.
قال أحمد بن مروان الدينوري: أتينا إبراهيم الحربي، وهو جالس على باب داره، فسلمنا وجلسنا، فجعل يقبل علينا، فلما أكثرنا عليه، حدثنا حديثين، ثم قال لنا: مَثل أصحاب الحديث مثل الصياد الذي يلقي شبكته في الماء، فيجتهد، فإن أخرج سمكة، وإلا أخرج صخرة.
قال أحمد بن جعفر بن سلم: حدثنا شيخ لنا، قال: قيل لإبراهيم الحربي: هل كسبت بالعلم شيئا؟ قال: كسبت به نصف فلس: كانت أمي تجري علي كل يوم رغيفين، وقطيعة فيها نصف دانق، فخرجت في يوم ذي طين، وأجمع رأيي على أن آكل شيئا حلوا، فلم أر شيئا أرخص من الدبس، فأتيت بقالا، فدفعت إليه القطيعة، فإذا فيها قيراط إلا نصف فلس.
وتذاكرنا حديث السخاء والكرم، فقال البقال: يا أبا إسحاق، أنت تكتب الأخبار والحديث، حدثنا في السخاء بحديث، قلت: نعم. حدثني أبو بكر عبد الله بن الزبير، حدثنا أبي، عن شيخ له، قال: خرج عبد الله بن جعفر إلى ضياعه ينظر إليها، فإذا في حائط لنسيب له عبد أسود، بيده رغيف وهو يأكل لقمة، ويطرح لكلب لقمة.
فلما رأى ذلك استحسنه، فقال: يا أسود، لمن أنت؟ قال: لمصعب بن الزبير. قال: وهذه الضيعة لمن؟ قال: له. قال: لقد رأيت منك عجبا، تأكل لقمة، وتطرح للكلب لقمة، قال: إني لأستحيي من عين تنظر إلي أن أوثر نفسي عليها.
¥