ثم من الغد إذا جمَّال يقود جملين، عليهما حملان ورقا، وهو يسأل عن منزلي، فقال: هذان الجملان أنفذهما لك رجل من خراسان، واستحلفني أن لا أقول من هو. إسنادها مرسل.
r قال أبو بكر الشافعي: سمعت إبراهيم الحربي يقول: عندي عن علي بن المديني قمطر، ولا أحدث عنه بشيء، لأني رأيته المغرب وبيده نعله مبادرا، فقلت: إلى أين؟ قال: ألحق الصلاة مع أبي عبد الله. فظننته يعني أحمد بن حنبل، ثم قلت: من أبو عبد الله؟ قال: ابن أبي دؤاد.
وقيل: إن المعتضد لما نفذ إلى الحربي بالعشرة آلاف فردها، فقيل له: ففرقها، فأبى، ثم لما مرض، سير إليه المعتضد ألف دينار، فلم يقبلها، فخاصمتْه بنته، فقال: أتخشين إذا مت الفقر؟ قالت: نعم. قال: في تلك الزاوية اثنا عشر ألف جزء حديثية ولغوية وغير ذلك كتبتها بخطي، فبيعي منها كل يوم جزءا بدرهم وأنفقيه.
r قال إبراهيم ’: رأيتُ رجالات الدنيا، فلم أر مثل ثلاثة: رأيتُ أحمد بن حنبل يعجز النساء أن يلدن مثله، ورأيتُ بشر بن الحارث ـ الحافي ـ من قرنه إلى قدمه مملوءاً عقلاً، ورأيتُ أبا عبيد ـ القاسم بن سلام ـ كأنه جبل نفخ فيه علم.
r وقال: ما شكوتُ إلى أمي، ولا إلى أختي، ولا إلى امرأتي، ولا إلى بناتي حُمَّى قط وجدتها، الرجل هو الذي يدخل غمه على نفسه، ولا يغم عياله. وكانت بي شقيقة خمساً وأربعين سنة قط، ما أخبرت بها أحداً قط. ولي عشر سنة أبصر بفرد عين ما أخبرت بها أحداً قط. وأفنيت من عمري ثلاثين سنة برغيفين، إن جاءتني بها أمي أو أختي أكلت، و إلا بقيت جائعاً عطشاناً إلى الليلة الثانية. وأفنيت ثلاثين سنة من عمري برغيف في اليوم والليلة، إن جاءتني به امرأتي أو إحدى بناتي أكلته، و إلا بقيت جائعاً عطشاناً إلى الليلة الأخرى. والآن آكل نصف رغيف وأربع عشرة تمرة، إن كان برنياً، أونيفاً وعشرين إن كان دَقلاً. ومرضت ابنتي فمضت امرأتي فأقامت عندها شهراً، فقام إفطاري في هذا الشهر بدرهم ودانقين ونصف ـ يعني إفطاره من الصيام ليلاً. ودخلت الحمام واشتريت لهم صابوناً بدانقين، فقامت نفقة شهر رمضان كله بدرهم وأربعة دوانيق ونصف. ما أخذت على علم قط أجراً إلا مرة واحدة، فإني وقفت على باب بقال فوزنت قيراطاً إلا فلساً، فسألني عن مسألة فأجبته، فقال للغلام: أعطه بقيراط ولا تنقصه شيئاً، فزادني فلساً.
rوقال لجماعة عنده: من تعدون الغريب في زمانكم هذا؟ فقال واحد منهم: الغريب من نأى عن وطنه، وقال آخر: الغريب من فارق أحبابه، وقال كل واحد منهم شيئاً، فقال إبراهيم: الغريب في زماننا رجل صالح عاش بين قوم صالحين، إن أمر بالمعروف آزروه، وإن نهى عن منكر أعانوه، وإن احتاج إلى سبب من الدنيا مانوه، ثم ماتوا وتركوه ـ كأن إبراهيم يعني بذلك نفسه.
rقال عبد الله بن الإمام أحمد: كان أبي يقول: امض إلى إبراهيم الحربي حتى يلقي عليك الفرائض.
r وقال محمد بن صالح القاضي: لا نعلم أن بغداد أخرجت مثل إبراهيم الحربي في الأدب، والحديث، والفقه، والزهد.
rوقال محمد بن خلف وكيع: كان لإبراهيم الحربي ابن، وكان له إحدى عشرة سنة قد حفظ القرآن، ولقنه من الفقه شيئاً كثيراً، قال: فمات، فجئت أعزيه، قال: فقال لي: كنت أشتهي موت ابني هذا؛ قلت: يا أبا إسحاق، أنت عالم الدنيا تقول مثل هذا في صبي قد أنجب ولقنته الحديث والفقه؟ قال: نعم، رأيت في النوم كأن القيامة قد قامت، وكأن صبياناً بأيديهم قلال فيها ماء يستقبلون الناس يسقونهم، وكأن اليوم حار شديد حره، فقلت لأحدهم: اسقني من هذا الماء، فنظر إلي وقال: لستَ أبي، فقلت: إيش أنتم؟ فقال: نحن الصبيان الذين متنا في دار الدنيا، فخلفنا آباءنا نستقبلهم فنسقيهم الماء، قال: فلهذا تمنيت موته.
r ذكر أبو عبد الرحمن السلمي أنه سأل الدارقطني عن إبراهيم الحربي؟ فقال: كان إماماً، وكان يقاس بأحمد بن حنبل في علمه، وزهده، وورعه.
r وقال إبراهيم الحربي: ما أنشدت بيتاً من الشعر إلا قرأت بعد: "قل هو الله أحد" ثلاث مرات.
r وقال: التابعون كلهم خير، وخيرهم أحمد بن حنبل، وهو عندي من أجلهم.
rوقال: كل شيء أقول لكم "هذا قول أصحاب الحديث" فهو قول أحمد بن حنبل، فهو ألقى في قلوبنا منذ كنا غلماناً اتباع حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأقاويل الصحابة والاقتداء بالتابعين.
¥