ذكر الذهبي في كتاب «العلو» أنه قال في كتاب «مشكل الآيات» له: اعلم أن الله في السماء فوق كل شيء , مستو على عرشه بمعنى أنه عالٍ عليه , ومعنى الاستواء الاعتلاء كما تقول العرب: استويت على ظهر الدابة , واستويت على السطح بمعنى علوته , يدل على أنه في السماء عالٍ على عرشه قوله: ? أأمنتم من في السماء ? وقوله: ? يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليَّ ? وقوله: ? إليه يصعد الكلم الطيب ? وقوله: ? ثم يعرج إليه ? ثم قال: فإن قيل: ما تقولون في قوله: ? أأمنتم من في السماء ? قيل معنى ذلك أنه فوق السماء على العرش كما قال: ? فسيحوا في الأرض ? بمعنى على الأرض. وقال: ? لأصلبنكم في جذوع النخل ? فكذلك: ? أأمنتم من في السماء ? انتهى المقصود من كلامه ملخصاً.
قول ابن بطة العكبري:
قد ذكرت عنه فيما تقدم أنه نقل إجماع الصحابة والتابعين أن على عرشه فوق سمواته بائن من خلقه , وذكرت أيضاً كلامه على معنى قوله تعالى: ? وهو معكم ? وقوله: ? وهو الله في السموات وفي الأرض ? وقوله: ? ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ? وفيه الرد على من قال: إن الله معنا وفينا .. فليراجع كلامه.
قول أبي محمد بن أبي زيد القيرواني شيخ المالكية:
قد ذكرت عنه فيما تقدم أنه نقل إجماع الأمة على أن الله تعالى فوق سمواته دون أرضه , وأنه في كل مكان بعلمه. ثم ذكر أن هذا قول أهل السنة وأئمة الناس في الفقه والحديث.
وقال في مقدمة رسالته المشهورة «باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات»: من ذلك الإيمان بالقلب , والنطق باللسان , بأن الله إله واحد لا إله غيره , ولا شبيه له ولا نظير له ولا ولد له ولا والد له ولا صاحبة له ولا شريك له , وأنه فوق عرشه المجيد بذاته , وهو بكل مكان بعلمه. انتهى المقصود من كلامه. وقد نقله ابن القيم في كتاب «اجتماع الجيوش الإسلامية» وأقره قال: وكذلك ذكر مثل هذا في نوادره وغيرها من كتبه. ونقل عنه أيضاً أنه قال في «مختصر المدونة»: وأنه تعالى فوق عرشه بذاته , فوق سبع سمواته دون أرضه. انتهى. وقد نقل شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية في «القاعدة المراكشية» قول ابن أبي زيد: إن الله تعالى فوق عرشه المجيد بذاته , وهو في كل مكان بعلمه. وقال أيضاً: صرح ابن أبي زيد في «المختصر» بأن الله في سمائه دون أرضه. قال شيخ الإسلام أبو العباس: هذا لفظه. قال: والذي قال ابن أبي زيد ما زالت تقوله أئمة أهل السنة من جميع الطوائف. انتهى. ونقل الذهبي في كتاب «العلو» قول ابن أبي زيد. وأنه تعالى فوق عرشه المجيد بذاته , ثم قال: وقد تقدم مثل هذه العبارة عن أبي جعفر بن أبي شيبة , وعثمان بن سعيد الدارمي. وكذلك أطلقها يحيى بن عمار واعظ سجستان في رسالته , والحافظ أبو نصر الوائلي السجزي في كتاب «الإبانة» له فإنه قال: وأئمتنا كالثوري ومالك والحمادين وابن عيينة وابن المبارك والفضيل وأحمد وإسحاق متفقون على أن الله فوق العرش بذاته , وأن علمه بكل مكان , وكذا أطلقها ابن عبد البر , وكذا عبارة شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري فإنه قال: وفي أخبار شتى أن الله في السماء السابعة على العرش بنفسه , وكذا قال أبو الحسن الكَرَجي الشافعي في تلك القصيدة:
عقائدهم أن الإله بذاته ... على عرشه مع علمه بالغوائب
وعلى هذه القصيدة مكتوب بخط العلامة تقي الدين ابن الصلاح: هذه عقيدة أهل السنة وأصحاب الحديث، وكذا أطلق هذه اللفظة أحمد بن ثابت الطرقي الحافظ، والشيخ عبد القادر الجيلي، والمفتي عبد العزيز القحيطي وطائفة. والله تعالى خالق كل شيء بذاته. ومدبر الخلائق بذاته بلا معين ولا مؤازر، وإنما أراد ابن أبي زيد وغيره التفرقة بين كونه تعالى معنا، وبين كونه تعالى فوق العرش، فهو كما قال، ومعنا بالعلم، وأنه على العرش كما أعلمنا حيث يقول: ? الرحمن على العرش استوى ? وقد تلفظ بالكلمة المذكورة جماعة من العلماء كما قدمناه، وبلا ريب أن فضول الكلام تركه من حسن الإسلام. انتهى كلام الذهبي. وقد ذكرت بعد تعقيبه على ذكر الذات في كلام أبي نصر السجزي أن ذكر الذات ليس من فضول الكلام، وإنما هو من الإيضاح والتفريق بين علو الله تعالى فوق عرشه بذاته، وبين معيته بالعلم مع الخلق.
¥