وقال البغوي: وإنما ذكر العرض على المبالغة لأن طول كل شئ في الأغلب أكثر من عرضه يقول: هذه صفة عرضها فكيف طولها؟
قال الزهري: إنما وصف عرضها فأما طولها فلا يعلمه إلا الله.
وسئل أنس بن مالك رضي الله عنه عن الجنة: أفي السماء أم في الأرض؟
فقال: وأي أرض وسماء تسع الجنة؟ قيل: فأين هي؟ قال: فوق السموات السبع تحت العرش.
وقال قتادة: كانوا يرون أن الجنة فوق السموات السبع وأن جهنم تحت الأرضين السبع.
14 - مجيء الجنة والنار يوم القيامة
والجنة والنار تأتيات يوم القيامة، كما قال تعالى:
) وَأُزْلِفَتِ ?لْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرزَتِ ?لْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ([الشعراء 90 - 91]
فتأتي جهنم يومئذٍ بأمر الله ليعاين الكفار ما كذبوا به من قبل ..
قال تعالى:) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِين ([الشعراء-91]
) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى ([النازعات-36]
) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً ([الكهف-100]
) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ([الفجر-23]
وروى مسلم [2842] والترمذي [2573] من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها.
وأن لها عند الحشر تغيظ وزفير عندما ترى أهلها كما قال تعالى:
) إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ([الفرقان-12]
ومن حديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرج عنق من النار يوم القيامة لها عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من ادعى مع الله إلهاً آخر، وبالمصورين.
وفي رواية أخرى صحيحة:
وبمن قتل نفساً بغير نفس، فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنم.
[رواه أحمد 11374 و 8411 والترمذي 2574 وصححهما الألباني في الصحيحة]
وتقرب الجنة يومئذٍ ليراها من آمن بها وصدق ..
قال تعالى:) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيد ([ق-31]
وقوله تعالى) وََأُزْلِفَتِ (بمعنى أدنيت وقربت من المتقين ..
) غَيْرَ بَعِيدٍ (بحيث تشاهد وينظر ما فيها، من النعيم المقيم، والحبرة والسرور وإنما أزلفت وقربت لأجل المتقين لربهم، التاركين للشرك، كبيره وصغيره، الممتثلين لأوامر ربهم، المنقادين له.
وقيل) غَيْرَ بَعِيدٍ (يوم القيامة ليس ببعيد لأنه واقع لا محالة وكل ما هو آت قريب .. والأول هو الأليق بظاهر الآية والسياق. والله أعلم.
الخاتمة: وفيها مجمل وصف الجنة
الجنة هي الدار التي أعدها الله لعباده المتقين .. ولا نستطيع أن نقدر ما فيها من نعيم مقيم غير أننا نقول كما قال ابن القيم في الحادي:
" أنها دار غرسها الله بيده، وجعلها مقراً لأحبابه وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بالملك الكبير، وأودعها جميع الخير بحذافيره، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص .. " اهـ
فالجنة أرضها وتربتها من المسك والزعفران، وسقفها تحت عرش الرحمن، وبلاطها المسك الأزفر، وحصبائها اللؤلؤ والجوهر ..
وفيها بيوت من قصب وقصور من ذهب وغرف من فوقها غرف مبنية، وبنائها لبنة من فضة ولبنة من ذهب، تجري من تحتها الأنهار، وخيام منصوبة كالدرة المجوفة طولها ستين ميلاً.
ولها ثمانية أبواب، لكل بابٍ أهل عمل يدخلون منه بفضل ربهم ..
وأما سعة الأبواب فبين المصراعين مسيرة أربعين عاماً، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام ..
وأما أشجارها فما أكثرها وأبهاها .. فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب وفضة، وفيها شجرة طوبى التي يمشي الراكب المسرع في ظلها مائة عام لا يقطعها ..
وثمرها أمثال القلال ألين من الزبد وأحلى من العسل ..
فيها أنهار وعيون، أنهار من ماء صاف لا يشوبه كدر، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى.
وفيها نهر الكوثر ووصفه يطول مع عيون وماء مسكوب.
وطعامهم فاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون.
وشرابهم من عين التسنيم والزنجبيل والكافور وختامه مسك لذة للشاربين، وآنيتها وأكوابها وصحائفها من الذهب في بياض الفضة وفي صفاء القوارير.
ولباس أهلها السندس والحرير، وفراشها الإستبرق، وأسرتها مزررة بالذهب، وحليتهم الذهب واللؤلؤ وعلى رؤوسهم التيجان.
تعرف في وجوه أهلها النضرة والنعيم والفرح والسرور والجمال والحبور.
هم في الجنان خالدون لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم ..
يسمعون غناء الحور العين .. وكلام رب العالمين .. فهم في روضة يحبرون ..
ولهم الزوجات من الحور العين مع صالح نسائهم من المؤمنين ..
والحور كواعب أترابا يرى مخ سوقهن شفافية وبياضاً وضوءاً ..
بكراً كلهن لم يطمثهن قبلهم إنس ولا جان، وهن خيرات حسان ..
عرباً متحببات عاشقات مطيعات .. مطهرات من الحيض والنفاس والبول والغائط، قصرت الزوجة طرفها على حبيبها من أهل الجنة لا تنظر لسواه ..
وخدمهم ولدان مخلدون .. إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤ مكنون ..
وفوق كل هذا النعيم .. يرون رب العالمين، فيكشف لهم الحجاب ويرونه تعالى كما أراد فيخاطبهم بكلامه، ويرضى عليهم ولا يسخط أبداً، فينسون كل لذة رأوها في الجنة أمام لذة النظر إلى وجهه الكريم ..
وبالجملة: فـ " الجنة لا خطر لها، هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وفاكهة كثيرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة، في مقام أبدي في دار سلامة، وخير ونعمة في درر عالية بهية ".
[معناه في حديث مرفوع عند ابن ماجة بسند ضعيف]
وفي كل هذه الفقرات والكلمات أدلة صحيحة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
جعلنا الله من أهلها ومن خير سكانها .. اللهم آمين ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والله أعلى وأعلم ..
وأستغفر الله من الخطأ والزلل.