ولما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدي بن حاتم قوله تعالى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ}، قال عدي: إننا لم نتخذهم أرباباً!!، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له (أليس يحلون لكم ما حرم الله فتستحلوه ويحرمون عليكم ما أحله الله فتحرموه؟)، قال: بلى، قال: (فتلك عبادتهم)، فجعل طاعتهم من دون الله عبادة لهم وجعلها معنىً اتخاذهم أرباباً من دون الله.
وطواغيت هذا الزمان من أنواع الاشتراكيين والقوميين الماديين يبيحون لشعوبهم ما حرمه الله من الخمور والزنى والقمار والربا وسائر الملاهي والفواحش، فتستحلها شعوبهم ولا يستهجنها إلا القليل، وأكثرهم يحبذها ويفرح بها.
ومن ناحية أخرى يحرمون عليهم الحلال من التكسب والتملك، ويسدون عليهم أبواب الابتغاء من رزق الله ويصادرون الممتلكات الحرة تأميماً، بحجة الاستغلال تحريماً منهم للحلال، فيحرمه الكثير من غوغاوية شعوبهم بجميع أنواع الطاغوتية والتسلط، فالذي يحبذ فعلهم ويؤمن بما يسمونه إشتراكية يكون مؤمناً بأنواع الطاغوت، غير كافر به، كما أمر الله، قال الله سبحانه {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً}، ومن لم يكفر بالطاغوت لم يحقق التوحيد، بل كان مناقضا لمدلول "لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، قال تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.
فإذا اعتقد أن ما يسمونه إشتراكية هو من دين الله أو مطابق لوحيه فقد زاد بذلك افتراءً على الله وكانت جريمته أشد من جريمة المشرك، وحينئذٍ نقول له على سبيل التنزل وتوضيح خطئه: إذا كنت تعتقد أن اشتراكيتهم المزعومة من دين الله أو على طريقة وحيه، فهل دين الله ووحيه يبيح الخمور التي أباحوها وأكثروا من مصانعها وحموا باعتها وشاربيها بل جعلوها مخففة لعقوبات الجرائم أو مسقطة لها؟
وهل من الدين إباحتهم للزنى بحال الرضى وتشريع القوانين المعفية لمرتكبه من إقامة حدود الله؟ هل هذا من الدين؟ أو هذا يعتبر في العرف الشرعي والعربي الأصيل ديانة؟ فهذا الذي يزعم أنه مسلم مؤمن سينكر ذلك ويعلن أمامنا تحريمه والله يعلم بما يبطن وحينئذِ نقول له: يجب عليك أن تبغض من هذه صفته وتعاديه وتشك في جميع ما يزعمه من الإصلاحات الأخرى على الأقل إن لم تكفر بها، فكيف تعلن إيمانك بما يسمونه إشتراكية وتعتقد أحقيتها، والمشرع لها ليس أميناً في دينه على الأقل، بل هو من القسم الذي ذكرناه؟
وبهذا يتضح ثالثها: وهو أن هذا السائل حكم إيمانه بما يسمى الإشتراكية لم يدفعه إلى الإيمان بها إلا محبته لمن انتحلها وتبناها، وأجزم جزم اليقين أن هذه الإشتراكية المزعومة لو تبناها (قاسم العراف) لكان هذا السائل من أول الكافرين بها والمبغضين لها، فأصبح قبول أمثال هذا نابعٌ من محبته للأشخاص الذين انصرف قلبه إليهم من دون الله حتى صاروا كالأنداد، قال الله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ... وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ}.
ولا شك أن الحب يعمي ويصم وأن للدعاية وسحر البيان تأثيرهما القوي وأنه لولا شعبية المحبوب الذي تبنَّى ما يسمى بالإشتراكية وقوة دعايته وتأثير أهل قطره أيضاً لما راجت هذا الرواج فإن مصر لا ينكر تأثيرها على العالمين العربي والإسلامي ولذلك صارت أكبر هدف للغزو الفكري والعسكري قبل هذا القرن.
وبالجملة فعلى السائل المحترم - طهر الله قلبه - أن ينظر في مراجعها لدى التطبيق ولا يغتر بتسميتها عربية، بل ينظر هل لهم مراجع في تطبيقها غير ما كتبه طغاتها اليهود (ماركس) و (لينين) واتباعهما ممن اجتهدوا في تفسير أقوالهما؟ أم لها مرجع وحيد يستقى من كتاب الله وسنة رسوله حتى يتقبلها المسلم؟ فإن كان الأمر على الأول فلا يجوز للمسلم بتاتاً قبولها بل يجب عليه رفضها من الأساس.
ولا يشك عاقل أن مراجعهم كلها من تلك الطواغيت وحينئذٍ يكون رفضها من مستلزمات الشهادتين اللتين لا يصح إيمان المسلم بدون السير والعمل على مدلولهما ولله در الخليفة الثاني عمر الفاروق حيث قال: (إنما ينتفض الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية).
والله أعلم
وصلى الله وسلم على محمد
ـ[عبد الكريم آل عبد الله]ــــــــ[25 - 06 - 09, 06:17 ص]ـ
وفي الكتاب بقية فوائد مفيدة لكن هذا ما تيسر نقله والله تعالى أعلم,,,