تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال شيخ الإسلام: هذا كلام صحيح إذا علم أنها دليل الصدق يستحيل وجوده بدون الصدق والممتنع غير مقدور فيمتنع أن يظهر على أيدي الكاذبين ما يدل على صدقهم لكن المطالب يقول كيف يستقيم على أصلكم أن يكون ذلك دليل الصدق وهو أمر حادث مقدور وكل مقدور يصح عندكم أن يفعله الله ولو كان فيه من الفساد ما كان فانه عندكم لا ينزه عن فعل ممكن ولا يقبح منه فعل فحينئذ إذا خلق على يد الكاذب مثل هذه الخوارق لم يكن ممتنعا على أصلكم وهي لا تدل على الصدق البتة على أصلكم ويلزمكم إذا لم يكن دليل إلهي ألا يكون في المقدور دليل على صدق مدعي النبوة فيلزم أن الرب سبحانه لا يصدق أحدا ادعى النبوة وإذا قلتم هذا ممكن بل واقع ونحن نعلم صدق الصادق إذا ظهرت هذه الأعلام على يده ضرورة قيل فهذا يوجب أن الرب لا يجوز عليه إظهارها على يد كاذب وهذا فعل من الأفعال هو قادر عليه وهو سبحانه لا يفعله بل هو منزه عنه فأنتم بين أمرين إن قلتم لا يمكنه خلقها على يد الكاذب وكان ظهورها ممتنعا فقد قلتم إنه لا يقدر على إحداث حادث قد فعل مثله وهذا تصريح بعجزه وأنتم قلتم فليست بدليل فلا يلزم عجزه فصارت دلالتها مستلزمة لعجزه على أصلكم وان قلتم يقدر لكنه لا يفعل فهذا حق وهو ينقض أصلكم وحقيقة الأمر أن نفس ما يدل على صدق الصادق بمجموعه امتنع أن يحصل للكاذب وحصوله له ممتنع غير مقدور وأما خلق مثل تلك الخارقة على يد الكاذب فهو ممكن والله سبحانه وتعالى قادر عليه لكنه لا يفعله لحكمته كما أنه سبحانه يمتنع عليه أن يكذب أو يظلم والمعجز تصديق وتصديق الكاذب هو منزه عنه والدال على الصدق قصد الرب تصديق الصادق وهذا القصد يمتنع حصوله للكاذب فيمتنع جعل من ليس برسول رسولا وجعل الكاذب صادقا ويمتنع من الرب قصد المحال وهو غير مقدور وهو إذا صدق الصادق بفعله علم بالاضطرار والدليل أنه صدقه وهذا العلم يمتنع حصوله للكاذب.

النبوات (1

241)

وقال شيخ الإسلام: وقالوا أيضا ما ذكره الأشعري المعجز علم الصدق ودليله فيستحيل وجوده بدون الصدق فيمتنع وجوده على يد الكاذب وهذا كلام صحيح لكن كونه علم الصدق مناقض لأصولهم فانه إنما يكون علم الصادق إذا كان الرب منزها عن أن يفعله على يد الكاذب أو علم بالاضطرار أنه إنما فعله لتصديق الصادق أو أنه لا يفعله على يد كاذب وإذا علم بالاضطرار تنزهه عن بعض الأفعال بطل أصلهم.

النبوات (1

483)

17 - قالوا ولو ادعى النبوة أحد من أهل هذه الخوارق مع كذبه لم يكن بد من أن الله يعجزه عنها فلا يخلقها على يده أو يقيض له من يعارضه؛ وهذا في الحقيقة مناقض لأصولهم.

قال شيخ الإسلام: قالوا ولو ادعى النبوة أحد من أهل هذه الخوارق مع كذبه لم يكن بد من أن الله يعجزه عنها فلا يخلقها على يده أو يقيض له من يعارضه فتبطل حجته وإذا قيل لهم لم قلتم إن الله لا بد أن يفعل هذا وهذا وعندكم يجوز عليه كل شيء ولا يجب عليه فعل شيء ولا يجب منه فعل شيء قالوا لأنه لو لم يمنعه من ذلك أو يعارضه بآخر لكان قد أتى بمثل ما يأتي به النبي الصادق فتبطل دلالة آيات الأنبياء فإذا قيل لهم وعلى أصلكم يجوز أنه يبطل دلالتها وعندكم يجوز عليه فعل كل شيء.

النبوات (1

487)

وهناك بحث مفيد جدا لفضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد القرني جزاه الله خيرا بعنوان: حقيقة المعجزة وشروطها عند الأشاعرة، وهو على هذا الرابط

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=85041

ومما ذكره الشيخ القرني في بحثه السابق:

ومع مخالفة ما اشترطه الأشاعرة من التحدي بالمعجزة لثبوت دلالتها لمنهج الاستدلال، فإن ما ذكروه مخالف لواقع الحال، وما هو معلوم بالضرورة من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لم يكن يتحدى بالمعجزات ابتداء، فهذا الشرط إنما التزموا به لأن منهجهم يقتضيه، لا لأن الأمر كذلك, وليس لهم في إثباته وحصوله من النبي - صلى الله عليه وسلم - على الوجه الذي اشترطوه دليل.

وفي تقرير هذا المعنى يقول الإمام ابن حزم: " إن اشتراط التحدي في كون آية النبي آية دعوى كاذبة، سخيفة، لا دليل على صحتها، لا من قرآن, ولا سنة صحيحة ولا سقيمة, ولا من إجماع, ولا من قول صاحب, ولا من حجة عقل, ولا قال بهذا أحد قط قبل هذه الفرقة الضعيفة " (3).

وفي نفس المعنى يقول الإمام ابن تيمية: " إن عامة معجزات الرسول لم يكن يتحدى بها, ويقول ائتوا بمثلها, والقرآن إنما تحداهم لما قالوا إنه افتراه, ولم يتحداهم به ابتداء, وسائر المعجزات لم يتحد بها, وليس فيما نقل تحد إلا بالقرآن، لكن قد علم أنهم لا يأتون بمثل آيات الأنبياء, فهذا لازم لها, لكن ليس من شرط ذلك أن يقارن خبره " (1).

وإذا علم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يتحدى بالمعجزات ابتداء، بل أكثر المعجزات لا يشهدها إلا الصحابة, ولا يمكن في حقهم التحدي بتلك المعجزات, بل هم مؤمنون به وإن لم يشهدوها، فعلم أن ما شرطوه من اقتران التحدي ودعوى النبوة لا أصل له، بل يلزم القدح في تلك المعجزات، لعدم تحقق ما شرطوه فيها.

وفي بيان هذا اللازم يقول الإمام ابن حزم: " إنه لو كان ما قالوا لسقطت أكثر آيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كنبعان الماء من بين أصابعه, وإطعامه المئين والعشرات من صاع شعير وعناق، ومرة أخرى من كسر ملفوفة في خمار، وكتفله في العين فجاشت بماء غزير، إلى اليوم، وحنين الجذع، وتكليم الذراع, وشكوى البعير والذئب والإخبار بالغيوب، وتمر جابر، وسائر معجزاته العظام، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتحد بذلك كله أحدا، ولا عمله إلا بحضرة أهل اليقين من أصحابه رضي الله عنهم، ولم يبق له آية حاشا القرآن, ودعاء اليهود إلى تمني الموت, وشق القمر فقط، وكفى نحسا بقول أدى إلى مثل هذا، فإن ادعوا أنه - عليه السلام - تحدى بها من حضر وغاب كذبوا واخترعوا هذه الدعوى, لأنه لم يأت في شيء من تلك الأخبار أنه تحدى بها أحدا, وإن تمادوا على أن كل هذه ليست معجزات ولا آيات أكذبهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله إذ فعل ذلك أشهد أني رسول الله " (2).


(1) …النبوات. لابن تيمية: (2/ 794).
(2) …الفصل في الملل والأهواء والنحل. لابن حزم: (5/ 7).
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير