قال شيخ الإسلام: إن المتحيز في لغة العرب التي نزل بها القرآن يعنى به ما يحوزه غيره كما في قوله تعالى: {أو متحيزا إلى فئة} فهذا تحيز موجود يحيط به موجود غيره إلى موجودات تحيط به , وسمى متحيزا لأنه تحيز من هؤلاء إلى هؤلاء , والمتكلمون يريدون ب التحيز ما شغل الحيز والحيز عندهم تقدير مكان ليس أمرا موجودا؛ فالعالم عندهم متحيز , وليس في حيز وجودي, والمكان عند أكثرهم وجودى.
الرد على المنطقيين (1
239)
وقال: وأما التحيز الذي يعنيه المتكلمون فأعم من هذا فإنهم يقولون العالم كله متحيز , وإن لم يكن في شيء آخر موجود إذ كل موجود سوى الله؛ هو من العالم وقد يفرقون بين الحيز والمكان فيقولون الحيز تقدير المكان , وكل قائم بنفسه مباين لغيره بالحهة متحيز عندهم , وإن لم يكن في شيء موجود.
ولهذا يقول بعضهم: التحيز من لوازم الجسم ويقول بعضهم: هو من لوازم القيام بالنفس كالتحيز والمباينة , وعلى هذا التفسير فالحيز إما وجودي وإما عدمي فإن كان عدميا فالقول فيه كالقول في معنى الجهة العدمية , وإن كان وجوديا فإما أن يراد به ما ليس خارجا أو ما هو خارجا عنه فالأول مثل حدود المتحيز وجوانبه فلا يكون الحيز شيئا خارجا على المتحيز على هذا التفسير , وأما أن يعني به شيء موجود منفصل عن المتحيز خارج عنه فهذا هو التفسير الأول وليس غير الله إلا العالم؛ فمن قال إنه في حيز موجود منفصل عنه فقد قال: إنه في العالم أو بعضه , وهذا مما قد صرحنا بنفيه , وإذا كان كذلك فلا بد من تفصيل المقال ليزول هذا الإبهام والإجمال.
الفتاوى الكبرى (6
357)
وقال: وأما لفظ المتحيز فهو في اللغة اسم لما يتحيز إلى غيره كما قال تعالى {ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة} وهذا لا بد أن يحيط به حيز وجودي , ولا بد أن ينتقل من حيز إلى حيز , وعلم أن الخالق جل جلاله لا يحيط به شيء من مخلوقاته؛ فلا يكون متحيزا بهذا المعنى اللغوي , وأما أهل الكلام فاصطلاحهم في المتحيز أعم من هذا؛ فيجعلون كل جسم متحيز والجسم عندهم ما يشار إليه فتكون السموات والأرض وما بينهما متحيزا على اصطلاحهم وإن لم يسم ذلك متحيزا في اللغة , والحيز تارة يريدون به معنى موجودا وتارة يريدون به معنى معدوما , ويفرقون بين مسمى الحيز ومسمى المكان؛ فيقولون المكان أمر موجود , والحيز تقدير مكان عندهم؛ فمجموع الأجسام ليست في شيء موجود؛ فلا تكون في مكان وهي عندهم متحيزة , ومنهم من يتناقض فيجعل الحيز تارة موجودا وتارة معدوما كالرازي وغيره كما بسط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع؛ فمن تكلم باصطلاحهم وقال إن الله متحيز بمعنى أحاط به شيء من الموجودات فهذا مخطىء؛ فهو سبحانه بائن من خلقه وما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق , وإذا كان الخالق بائنا عن المخلوق امتنع أن يكون الخالق في المخلوق وامتنع أن يكون متحيزا بهذا الاعتبار , وإن أراد بالحيز أمرا عدميا؛ فالأمر العدمي لا شيء, وهو سبحانه بائن عن خلقه؛ فإذا سمي العدم الذي فوق العالم حيزا , وقال يمتنع أن يكون فوق العالم لئلا يكون متحيزا؛ فهذا معنى باطل لأنه ليس هناك موجود غيره حتى يكون فيه , وقد علم بالعقل والشرع أنه بائن عن خلقه كما بسط في غير هذا الموضع.
بيان تلبيس الجهمية (1
521)
الجهة
قال شيخ الإسلام: وقد قدمنا فيما مضى أن لفظ الجهة يراد به أمر موجود وأمر معدوم؛ فمن قال إنه فوق العالم كله لم يقل أنه في جهة موجودة إلا أن يراد بالجهة العرش ,ويراد بكونه فيها أنه عليها كما قيل في قوله: أنه في السماء: أي على السماء , وعلى هذا التقدير؛ فإذا كان فوق الموجودات كلها وهو غني عنها لم يكن عنده جهة وجودية يكون فيها فضلا عن أن يحتاج إليها, وإن أريد بالجهة ما فوق العالم؛ فذلك ليس بشيء ولا هو أمر وجودي حتى يقال أنه محتاج إليه أو غير محتاج إليه , وهؤلاء أخذوا لفظ الجهة بالاشتراك وتوهموا وأوهموا إذا كان في جهة كان في شيء غيره كما يكون الإنسان في بيته ثم رتبوا على ذلك أنه يكون محتاجا إلى غيره والله تعالى غني عن كل ما سواه وهذه مقدمات كلها باطلة.
بيان تلبيس الجهمية (1
520)
المكان
¥