تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عليه وسلم- سنتَه وسنتَهم في ضمير واحد بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (عَضُّوا عَلَيْهَا)، ولم يقل: "عضوا عليهما"؛ فسنتهم هي سنته؛ فهم لم يخرجوا عنها -وحاشاهم-، بل نقلوها وطبَّقوها كما عَلَّمها لهم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، ولقد كان هَديُهم ومنهجُهم -رضي الله عنهم- تقديمَ الكتاب والسنة والاحتجاجَ بهما.

يقول د/ مصطفى حلمي -حفظه الله-: "ونفهم من استقراء أقوالهم وسلوكهم في جميع أصول الدين أنهم كانوا يتقيدون بهذا المنهج -أي تقديم الشرع على العقل- لا عن قصور في الفهم؛ ولكن لمعرفتهم بمكانة الشرع وضرورة تقديمه على الاستنباطات العقلية التي لا تستند إلى دليل" (2).

وما وقع في الأمة بعد ذلك من اختلافٍ في العقائد عمَّا كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم-، وتقديمِ العقل على الأدلة الشرعية؛ هو من نقصان الدين والخروجِ عليه.

يقول د/ مصطفى حلمي -حفظه الله-: "لم يكن الكلام في الدين إذن تطورًا من البسيط إلى المركب، أو من الأدنى إلى الأعلى، بل كان نكوصًا من الكمال إلى النقصان، وعصيانًا للأوامر، وانشقاقًا عن الجماعة" (3).

حفاظ الأمة على الدين في عهد التابعين وتابعي التابعين:

كان حال علماء الأمة من التابعين وتابعي التابعين -وهم الآخذون بعلم الصحابة وفهمِهم، والناقلون لما كانوا عليه؛ إذ كانوا أهل حديث- هو الامتدادَ التلقائيَّ لمنهج وفهمِ الصحابة -رضي الله عنهم-، وكانوا هم ومَن وافقهم جمهورَ الأمة وجماعتَهم؛ لذا كان مَن يأتي بما يخالفهم يواجَه بالإنكار ويوصَف بالشذوذ؛ لأنه خرج عن جماعة المسلمين، وامتد دور أهل الحديث من التابعين وتابعيهم مِن عصر الصحابة إلى عصر بني أمية وفترة من حكم الدولة العباسية، ورغم ظهور الخوارج والشيعة الرافضة ومَن بعدهم من المبتدعة؛ فإن هذا لم يُؤَثِّر في القاعدة العريضة من المسلمين؛ لذا لم يتميزوا خلال تلك الفترة باسم خاص؛ فهم "أهل الحديث" وكفى، وإنما تَسَمَّى مَن خرج عنهم؛ ليُعرَف ببدعته وانشقاقه؛ خاصة وإنهم قلة بجانب الكثرة المتمسكة بمنهج ومعتقد الصحابة -رضي الله عنهم- وأئمة التابعين وتابعي التابعين؛ لذا لما سُئل الإمام مالك عن تعريف أهل السنة والجماعة؛ قال: "الذين ليس لهم لقب يُعرَفون به؛ لا جَهْمِيٌّ، ولا رافِضِيٌّ، ولا قَدَرِيٌّ" (4).

لقب أهل السنة في مقابلة لقب المُعتَزِلة:

لما كثر خوض أهل البدع بمنهجهم العقلي في عقائد المسلمين، وظهر واستفحل علم الكلام والفلسفة على يد المعتزلة، خاصة في عهد الخليفة العباس المأمون؛ تَسَمَّى المتمسكون بمنهج الصحابة والتابعين وتابعيهم بـ"أهل السنة" في مقابلة أصحاب المنهج العقلي من المعتزلة؛ فصار لقب "السني" في مقابلة لقب "المعتزلي"، ولما تصدى الإمام أحمد بمنهجه المبنيِّ على الاحتجاج بالكتاب والسنة في مواجهة أئمة المعتزلة -المُدَعَّمِينَ بتأييد بعض الخلفاء العباسيين- وانتصر عليهم؛ الْتَفَّتِ الأمةُ حول إمامها؛ فسُمِّيَ بـ"إمام أهل السنة والجماعة" حتى صار اسم "الحنبلي" يُطلَق على "السني" عند البعض في تلك الفترة الزمنية.

يقول الإمام أحمد مبينًا منهجه في مقابلة المعتزلة في زمانه: "لست أتكلم إلا ما كان من كتاب أو سنة أو عن الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين، وأما غير ذلك فالكلام فيه غير محمود" (5).

محاولة الأشاعرة نصرة عقائد السلف بمنهج المتكلمين:

ولد أبو الحسن الأشعري بالبصرة عام 260هـ، ودرس علم الكلام على مذهب المعتزلة على يد علي الجبائي، ولما تبين له فساد مذهب المعتزلة؛ قام بالرد عليهم، ومال إلى نصرة عقائد أهل السنة على منهج المعتزلة في الاستدلال، وقد تبين له في أواخر حياته صحة مذهب السلف منهجًا واعتقادًا؛ فالتزمه؛ يشهد لذلك آخر كتبه التي أَلَّفَها وهو "الإبانة عن أصول الديانة"، ولكنَّ أتباعَه ومَن وافقهم تمسكوا باستخدام المنهج الكلامي في الدفاع عن عقائد أهل السنة والجماعة في مواجهة المعتزلة، بل واعتبروا علمَ الكلام من جملة العلوم الشرعية المشروعة إذا أراد به مُتعلِّمُه نصرةَ عقائد أهل السنة!!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير