تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ورأوا أن طريقتَهم -طريقة الخلف- في الرد على المخالفين لأهل السنة بعلم الكلام أعلمُ وأحكمُ، وأن طريقةَ السلف في الاقتصار على الكتاب والسنة في الاستدلال أسلمُ وأحوطُ، وزعموا أنهم بمثابة امتداد للسلف، وأطلقوا على أنفسهم لقب "الخلف"، كما زعموا أنهم جمعوا بين العقل والنقل معًا، ولكنَّ طريقة الأشاعرة لم تلقَ تأييد "أهل الحديث" وأتباعِ الإمام أحمد -"أهل السنة والجماعة"- ورأوا أن منهج الأشاعرة في الرد على المعتزلة هو خروج عن منهج السلف ومذهبهم، خاصة وأن للأشاعرة مخالفاتٍ عقائديةً تظهر في قولهم بـ"نظرية الكسب" في تفسير أفعال العباد، وقولِهم: إن الإيمان هو المعرفة ولا يلزم النطق بالشهادة، ولا العملُ كغلاة المرجئة، وقولِهم: إن كلام الله كلامٌ نَفْسِيٌّ، وإن القرآن عبارةٌ عن كلام الله، واقتصارِهم في إثبات الصفات على صفات سبعة، والتكلمِ في صفات الأفعال بالتأويل (6).

والمذهبُ السَّلَفِيُّ يرفض علم الكلام؛ سواء على طريقة المعتزلة أو على طريقة الأشاعرة، والأشاعرةُ وإن أَيَّدُوا أهلَ السنة في عدة مسائلَ إلا أنهم ليسوا بسلفيين، وهم وإنْ يُذكَر لهم دورُهم في الرد على المعتزلة وبيانِ فساد ما هم عليه إلا أنهم ليسوا على منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال، والحقُّ أَحَقُّ أن يُتَّبَعَ.

يتبين من هذا العرض التاريخي المختصَرِ أنه لما كان جمهور الأمة على ما كان عليه أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لم يحتج الأمر أن يتسموا باسم، وإنما كان يُسَمَّى مَن خرج عنهم؛ ليُعرَف ببدعته، ولكنْ لما تَفَشَّت البدع وكثر الخروج عما كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم-، وقَلَّ مَن منهجُهم التمسكُ بما ورد في الشرع، وكثرت الفرق وتعددت؛ كان لزامًا أن يكون لأهل الحق اسمٌ يميزهم عن غيرهم، ويشير إليهم، ويدل عليهم، ويكون عنوانًا لِمَا هم عليه، ولا يوجد مانعٌ شرعًا من التسمي باسم أو الاشتهار بلقب إذا كان المضمون موافقًا للشرع، ولقد ظل التمسك بمنهج الصحابة -رضي الله عنهم- ومعتقدِهم ثابتًا لا يتغير، ولكن لما حَمَل منهجَهم ومعتقدَهم أهلُ الحديث وعلماؤه؛ سُمِّيَ أهلُ الحق بـ"أهل الحديث"، ولما وقع الانشقاق في الأمة وكثرت البدع في مقابلة السنة؛ سُمِّيَ أهلُ الحق بـ"أهل السنة والجماعة"، ولما جاء الخلف مِن الأشاعرة وقالوا عن طريقتهم أنها أحكمُ وأعلمُ وخالفوا منهج السلف؛ كان اسم "السلفية" هو العنوانَ على ما كان عليه صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- من منهج ومعتقد؛ فتغيرت الأسماء ولم يتغير المضمون؛ فصارت هذه الأسماء بمثابة مترادفات لمضمون واحد.

ولا يخفى أن الأشاعرة لما زعموا أن طريقتهم في الاستدلال بمنهج المتكلمين أعلم وأحكم، وأن طريقة السلف أسلم وأحوط؛ كان ذلك مدعاةٌ أن يقال: طريقة الخلف وطريقة السلف، ومنهج الخلف ومنهج السلف، وظهور مصطلح السلفية والمذهب السلفي من كلام الأشاعرة أنفُسِهم؛ ولم يحتج الأمر إلى رفض أهل الحق لتلك المُسَمَّيَات، إنما كان رَدُّهم على ذلك أن طريقة السلف ومنهجَهم هي الأعلمُ والأحكمُ كما أنها الأسلمُ والأحوطُ.

ولقد تَسَمَّى البعض في زمن النبوة بـ"المهاجرين"، والبعضُ بـ"الأنصار"؛ فلم يُنكَر عليهم التَّسَمِّي بذلك؛ بل ربما كان للمهاجرين في القتال رايةٌ، وللأنصار رايةٌ، وكلاهما تحت لواء المسلمين، ولكن لما تنازع بعض المهاجرين مع بعض الأنصار، وصاح صائحهم: يا للمهاجرين، والآخرُ: يا للأنصار؛ قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ) (متفق عليه)؛ فأنكر عليهم العصبية للمسميات، ولم يُنكِر عليهم التسميَّ بها قبلَ ذلك أو بعدَه؛ فلا مانع شرعًا من التسمي بأسماء؛ إنما النظر للمضمون: ألاَّ يكون فيه مخالفةٌ للشرع، وألاَّ يكون هنالك التعصبُ للمسميات دون النظر للمضمون.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- (7): "لا عيب على مَن أظهر مذهب السلف وانتسب إليه، واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق؛ فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقًّا، فإن كان موافقًا له باطنًا وظاهرًا؛ فهو بمنزلة المؤمن الذي هو على الحق باطنًا وظاهرًا، وإن كان موافقًا له في الظاهر فقط دون الباطن؛ فهو بمنزلة المنافق؛ فتُقبَل منه عَلانِيَتُه، وتُوكَل سَرِيرَتُه إلى الله؛ فإنَّا لم نُؤمَر أن ننقُبَ عن قلوب الناس ولا نشقَّ بطونَهم" اهـ.

ــــــــــ

(1) من منهاج السنة لابن تيمية (3/ 66).

(2) "منهج علماء الحديث والسنة في أصول الدين" د/ مصطفى حلمي ط. دار الدعوة الثانية، ص:42.

(3) المصدر السابق، ص:59.

(4) نقلاً عن "الإمام مالك": لأبي زهرة، ص:18.

(5) من ترجمة الإمام أحمد للحافظ الذهبي، ص:23.

(6) راجع في ذلك "منهج علماء الحديث" د/ مصطفى حلمي، ص:172 - 176.

(7) نقض المنطق لابن تيمية، ص:123.

كتبه/ علاء بكر

نقلا عن موقع صوت السلف

www.salafvoice.com (http://www.salafvoice.com/)[/COLOR]

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير