تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما قبل النبوة فقد ذهب القاضي أبو بكر وأكثر أصحابنا وكثير من المعتزلة إلى أنه لا يمتنع عليهم المعصية كبيرة كانت أو صغيرة بل ولا يمتنع عقلا إرسال من أسلم وآمن بعد كفره.

وذهبت الروافض إلى امتناع ذلك كله منهم قبل النبوة لأن ذلك مما يوجب هضمهم في النفوس واحتقارهم والنفرة عن اتباعهم وهو خلاف مقتضى الحكمة من بعثة الرسل ووافقهم على ذلك أكثر المعتزلة إلا في الصغائر.

والحق ما ذكره القاضي لأنه لا سمع قبل البعثة يدل على عصمتهم عن ذلك والعقل دلالته مبنية على التحسين والتقبيح العقلي ووجوب رعاية الحكمة في أفعال الله تعالى وذلك كله مما أبطلناه في كتبنا الكلامية.

وأما بعد النبوة فالاتفاق من أهل الشرائع قاطبة على عصمتهم عن تعمد كل ما يخل بصدقهم فيما دلت المعجزة القاطعة على صدقهم فيه من دعوى الرسالة والتبليغ عن الله تعالى.

واختلفوا في جواز ذلك عليهم بطريق الغلط والنسيان فمنع منه الأستاذ أبو إسحاق وكثير من الأئمة لما فيه من مناقضة دلالة المعجزة القاطعة.

وجوزه القاضي أبو بكر مصيرا منه إلى أن ما كان من النسيان وفلتات اللسان غير داخل تحت التصديق المقصود بالمعجزة وهو الأشبه عصمتهم عنها فما كان منها كفرا فلا نعرف خلافا بين أرباب الشرائع في عصمتهم عنه إلا ما نقل عن الأزارقة من الخوارج أنهم قالوا بجواز بعثة نبي علم الله أنه يكفر بعد نبوته وما نقل عن الفضلية من الخوارج أنهم قضوا بأن كل ذنب يوجد فهو كفر مع تجويزهم صدور الذنوب عن الأنبياء فكانت كفرا.

وأما ما ليس بكفر فإما أن يكون من الكبائر أو ليس منها فإن كان من الكبائر فقد اتفقت الأمة سوى الحشوية ومن جوز الكفر على الأنبياء على عصمتهم عن تعمده من غير نسيان ولا تأويل وإن اختلفوا في أن مدرك العصمة السمع كما ذهب إليه القاضي أبو بكر والمحققون من أصحابنا أو العقل كما ذهب إليه المعتزلة.

وأما إن كان فعل الكبيرة عن نسيان أو تأويل خطإ فقد اتفق الكل على جوازه سوى الرافضة.

وأما ما ليس بكبيرة فإما أن يكون من قبيل ما يوجب الحكم على فاعله بالخسة ودناءة الهمة وسقوط المروءة كسرقة خبة أو كسرة فالحكم فيه كالحكم في الكبيرة.

وأما ما لا يكون من هذا القبيل كنظرة أو كلمة سفه نادرة في حالة غضب فقد اتفق أكثر أصحابنا وأكثر المعتزلة على جوازه عمدا وسهوا خلافا للشيعة مطلقا وخلافا للجبائي والنظام وجعفر بن مبشر في العمد وبالجملة فالكلام فيما وقع فيه الاختلاف في هذه التفاصيل غير بالغ مبلغ القطع بل هو من باب الظنون والاعتماد فيه على ما يساعد فيه من الأدلة الظنية نفيا وإثباتا وقد أتينا في كل موضع من المواضع المتفق عليها والمختلف فيها تزييفا واختيارا بأبلغ بيان وأوضح برهان في كتبنا الكلامية فعلى الناظر الالتفات إليها)) [ص 244 – 246/ 1]

وقال الجويني: ((قلنا مذهبنا الذي ندين به لا يجب عصمة الأنبياء عن صغائر الذنوب وآي القرآن في أقاصيص النبيين مشحونة بالتنصيص على هنات كانت منهم استوعبوا أعمارهم في الاستغفار منها والإمامية أوجبوا عصمة الأئمة عن الصغائر والكبائر فإن قالوا الإمام شوف الخلق ومنه تلقي الجزئي والكلى في دين الله وبه ارتباط عرى الإسلام فلو كان عرضه للزلل لبطل غرض الإمامة ولما حصلت الثقة به في أقواله وأفعاله ولم يؤمن من عثراته في الدماء والفروج وسد الثغور والقيام بعظائم الأمور ولو جاز ذلك فيهم لما وجبت العظمة للمرسلين والنبيين صلى الله عليه وسلم أجمعين)) [ص 72]

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وإتفق علماء المسلمين على انه لا يكفر أحد من علماء المسلمين المنازعين فى عصمة الأنبياء والذين قالوا انه يجوز عليهم الصغائر والخطأ ولا يقرون على ذلك لم يكفر أحد منهم باتفاق المسلمين فان هؤلاء يقولون إنهم معصومون من الاقرار على ذلك ولو كفر هؤلاء لزم تكفير كثير من الشافعية والمالكية والحنفية والحنبلية والأشعرية وأهل الحديث والتفسير والصوفية الذين ليسوا كفارا باتفاق المسلمين بل أئمة هؤلاء يقولون بذلك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير