ثم إن ذلك الرجل، بادر إلى حمام جوار المدرسة، فاغتسل به، ثم رجع قبل فراغ الثاني، والشيخ قاعد على حاله، وكان ضريراً، فلما فرغ الثاني قال الشيخ: من جاء أولاً فليقرأ! فقرأ. وهذا من أحسن ما نعلمه، وقع لشيوخ هذه الطائفة.
وذكر العلاَّمة الشيخ علي القاري من كراماته: أنه كان يسمع الأذان من غير المؤذن، وكان لا يظهر منه لذكاءه وفطنته، ما يظهر من الأعمى في حركاته!
وكان لا يتكلم إلاََّ بما تدعو الضرورة إليه.
ولا يجلس للإقراء إلاَّ على طهارة، في هيئة حسنة وخضوع واستكانة، ويمنع جلساءه من الخوض إلاَّ في العلم والقرآن؛
وكان يعتل العلة الشديدة ولا يشتكي، ولا يتأوَّه؛ وإذا سُئل عن حاله قال: العافية؛ لا يزيد على ذلك. اهـ.
وممن قرأ عليه هذا النظم المبارك، وعرض عليه ما تضمنه من القراءات: الإمام أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي، وهو أجلُّ أصحابه؛ والإمام أبو عبد الله محمد بن عمر القرطبي، والسديد عيسى بن مكي، ومرتضى بن جماعة، والكمال علي بن شجاع الضرير، وهو صهره؛ والزَّيْن محمد بن عمر الكردي، وأبو القاسم عبد الرحمن بن سعيد الشافعي، وعيسى بن يوسف بن إسماعيل المقدسي، وعلي بن محمد بن موسى النجيبي وعبد الرحمن بن إسماعيل التونسي.
وممن سمع عليه، وقرأ عليه بعض القراءات: الإمام أبو عمرو عثمان بن عمر بن الحاجب، والشيخ أبو الحسن علي بن هبة الله بن الجميزي، وأبو بكر محمد بن وضَّاح اللخمي، وعبد الله بن عبد الوارث بن الأزرق، وهو آخر أصحابه موتاً.
وقد بارك الله له في تصنيفه، لا سيما هذا النظم المبارك، فلقد رُزق من القبول والشهرة، ما لا نعلمه لكتاب غيره في هذا الفن، حتى صارت جميع بلاد الإسلام لا تخلو منه، ولقد بالغ أكثر الناس في التغالي فيه، وأخذ أقواله مسلَّمة، واعتبار ألفاظه منطوقاً ومفهوماً، حتى خرجوا بذلك عن حدِّ أن تكون لغير معصوم، وتجاوز بعض الحد فزعم أن ما فيها هو القراءات السبع، وأن ما عدا ذلك لا تجوز القراءة به!
وقد شرحه كثير من الأئمة المعتبرين، منهم: برهان الدين إبراهيم بن عمر الجعبري، وشمس الدين الكوراني، وشمس الدين الفناري، وعلم الدين علي بن محمد السخاوي المصري، وأبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل النحوي، وأبو عبد الله محمد بن أحمد – المعروف بشعلة الموصلي – وعلاء الدين بن عثمان المعروف بابن القاصح البغدادي، وأبو عبد الله محمد بن الحسن بن محمد الفاسي، وعماد الدين علي بن يعقوب الموصلي، وجمال الدين بن علي الحصني، وأبو العباس أحمد بن محمد القسطلاّني المصري، وأبو العباس أحمد بن علي الموصلي، وتقي الدين عبد الرحمن بن أحمد الواسطي، وتقي الدين يعقوب بن بدران الجرايدي، وشهاب الدين أحمد بن يوسف السمين الحلبي، وشهاب الدين أحمد بن محمد بن جبارة المقدسي، وشمس الدين محمد بن أحمد الأندلسي، ومحب الدين محمد بن محمود بن النجار البغدادي، وأبو بكر بن ايدغدي الشهير بابن الجندي، وأبو القاسم هبة الله بن عبد الرحيم البارزي، ويوسف بن أبي بكر المعروف بابن الخطيب، وعلم الدين قاسم بن أحمد اللورقي، وبدر الدين المعروف بابن أم قاسم المرادي، وأبو عبد الله المغربي النحوي، والسيد عبد الله بن محمد الحسيني، وجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، ونور الدين علي بن سلطان القاري، ومنتجب الدين الهمداني، وشهاب الدين أحمد بن عبد الحق السنباطي، وعلي بن محمد الضبَّاع، له عليه شرحان: «إرشاد المريد إلى مقصود القصيد» و «إنشاد الشريد من معاني القصيد».
ونقل الإمام القرطبي: أن الإمام الشاطبي رحمة الله تعالى لما فرغ من تصنيفه طاف به حول الكعبة اثنا عشر ألف أسبوع، كلما جاء في أماكن الدعاء، قال: اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب هذا البيت العظيم، انفع بها كل من قرأها – يعني: هذا المتن، باعتبار أنه قصيدة –.
وروي عنه – أيضاً – أنه رأي النبي في المنام، فقام بين يديه وسلم عليه، وقدم القصيدة إليه وقال: يا سيدي يا رسول الله! انظر هذه القصيدة! فتناولها النبي بيده المباركة وقال: «هي مباركة، من حفظها دخل الجنة» زاد القرطبي: بل من مات وهي في بيته دخل الجنة.
وفاته:
توفي الإمام الشاطبي – رحمه الله تعالى – يوم الأحد، بعد صلاة العصر، وهو اليوم الثامن والعشرون من جمادى الآخرة، سنة: /590 هـ/، ودفن يوم الأثنين بمقبرة القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني، بالقرافة الصغرى، بالقرب من سفح الجبل المقطم بمصر، وقبره مشهور معروف؛ رحمه الله تعالى.
من كتاب الشاطبية للشيخ محمد تميم الزعبي حفظه الله
اللهم اجعلنا من أهل القرآن
ـ[أم معين]ــــــــ[17 - 05 - 07, 02:44 م]ـ
جزى الله بالخيرات عنا أئمة لنا نقلوا القرآن عذبا وسلسلا
¥