تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعلى وهم بدائية الإنسان الأول شيدت النظريات المتعارضة والمتناحرة لعلم الاجتماع الديني التي قررت أن الدين منتج طارئ في البشرية وتطور عبر محطات السحر ومن ثم عبادة الطبيعة والأرواح وبعدها الأصنام والطوطم وبعدها اخترع التوحيد، لاعتقادهم أن افنسان الأول كان بدائياً لا يمكن أن يستوعب فكرة وجود إله متعالي مطلق القدرة والمعرفة!! كما بين ذلك الدكتور علي سامي النشار في كتابه "نشأة الدين"، حيث عرض لنظريات علم الاجتماع الديني وأنها لم تقم على دراسات علمية دقيقة ولا مستوعبة وأن توالى الاكتشافات كان يبطل كثيراً من فرضياتها، سوى نظرية "الأب شمت" التي أثبتت أن الإيمان بإله واحد في السماء كان هو السابق عند كل التجمعات الإنسانية عبر التاريخ، ونظرية "شمت" التي تثبت سبق عقيدة التوحيد وأوليتها قد تجاهلها بالكلية فراس السواح في كتابه " دين الإنسان"!! ويلاحظ على كتاب النشار الاقتصار على كلام الغربيين فقط وإقراره لفكرة بدائية الإنسان رغم معارضتها لصريح القرآن!! لكن نحن المسلمين نعتقد أن الجنس الإنساني هو جنس مكرم لقوله تعالى: "ولقد كرمنا بنى آدم" (الإسراء 70) ومن مظاهر هذا التكريم أن الله عز وجل خلق الإنسان بيديه سبحانه وتعالى "قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي" (ص 75)، وأنه خلق الإنسان "في أحسن تقويم" (التين 4)، وأيضاً الله عز وجل هو "الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة" (الملك 23)، وعلمه أسماء الأشياء، وتشمل القدرة على تسمية الأشياء الجديدة "وعلم آدم الأسماء كلها") البقرة31)، ومن تكريم الله للإنسان أن أنزل الله عزوجل الوحي على خاصة الناس من الأنبياء والرسل ليدلوهم على الصراط المستقيم "قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (البقرة 38)، وكانت قمة التكريم منح الإنسان القدرة على اختيار سبيله وطريقه في الحياة "وهديناه النجدين" (البلد 10)، "إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا" (الإنسان 3).

هذا الإنسان المكرم لم يكن بدائيا أبداً، فلقد عاش في الجنة وعرف النعيم والمتعة والحضارة والمدنية، ولذلك حين بدت عورة آدم وحواء بعد أكلهم من الشجرة المنهية بسبب وسوسة إبليس "طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة" (الأعراف 22)، والشاهد هنا أن آدم وحواء كانا يعرفان اللباس وستر العورة، ولذلك لجآ لأقرب بديل عنه وهو التستر بورق الشجر - وقيل هو ورق التين - الذي يلزقونه مع بعضه حياءً من الله عز وجل.

وقد أورد الإمام الطبري في تفسيره وتاريخه كثيراً من الروايات منها أثر عن ابن عباس أن الله عز وجل قال لآدم: "فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا كدا"، قال فأهبط من الجنة وكانا يأكلان منها رغداً، فاهبط إلى غير رغد من طعام وشراب، فعُلم صنعة الحديد وأمر بالحرث فحرث وزرع ثم سقى حتى إذا بلغ حصد ثم داسه ثم ذراه ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه ثم أكله. وعن ابن عباس أيضاً: " ثلاثة أشياء نزلت مع آدم السندان والكلبتان والميقعة يعنى المطرقة".

ومن الإشارات القرآنية لمعرفة وقدرة الإنسان الأول ما ذكره لنا القرآن في قصة نوح عليه الصلاة والسلام الذي كان بعد آدم بعشرة قرون، من أمره ببناء السفينة، قال تعالى: "واصنع الفلك بأعيننا ووحينا" (هود37)، قال ابن كثير: "وحينا" أي تعليمنا لك ما تصنعه"، وذكر بعدها روايات في تفاصيل بناء السفينة، ومعلوم أن صنع السفينة يحتاج إلى معرفة عقلية وعلمية وقدرة عملية وأدوات مساعدة، ولا يمكن لوهم بدائية الإنسان من القيام بذلك، لأنها لم تكن سفينة صغيرة أو مجموعة ألواح مصفوفة إلى بعضها بشكل بسيط، لأن الطوفان كان شديدا وضخما فتحتاج النجاة منه إلى سفينة قوية وكبيرة، كما أن حمولة السفينة كانت حمولة متعددة حيث حوت زوجين من كل الحيوانات بالإضافة إلى أهل نوح وهذا الأمر يحتاج لمساحة كبيرة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير