وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (ألا من قتل نفسا معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر بذمة الله، فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا)
وفي وصية عمر رضي الله عنه لمن يأتي بعده من الخلفاء: (وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوهم إلا طاقتهم).
قال جويرية بن قدامة: (سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه (يعني عند موته). . . قلنا: أوصنا يا أمير المؤمنين: قال: أوصيكم بذمة الله، فإنه ذمة نبيكم ورزق عيالكم).
وهذا من محاسن الإسلام ومزاياه وعلو شأنه في الأمور التي لا يلحق فيها من العدل واحترام العهود والمواثيق، ولو كان مع أشد الأعداء وأحقر الحقراء." والله أعلم. (11)
[مفاسد هذه الأقوال وآثار هذه الدعوة الآثمة على المسلمين]
اعلم أخي القاري– بارك الله فيك- أن مفاسد هذه الأقوال وآثار هذه الدعوة الآثمة على المسلمين خطيرة، ويمكن ذكر بعضها فيما يلي (12):
1 - إيجاد مرحلة التشويش على الإسلام، والبلبلة في المسلمين، وشحنهم بسيل من الشبهات، والشهوات؛ ليعيش المسلم بين نفس نافرة، ونفس حاضرة.
2 - قصر المد الإسلامي، واحتوائه.
3 - تأتي على الإسلام من القواعد، مستهدفة إبرام القضاء على الإسلام واندراسه، ووهن المسلمين، ونزع الإيمان من قلوبهم، وَوَأدِه.
4 - حل الرابطة الإسلامية بين العالم الإسلامي في شتى بقاعه؛ لإحلال الأخوة البلدية اللعينة: " أخوة اليهود والنصارى ".
5 - كف أقلام المسلمين، وألسنتهم عن تكفير اليهود والنصارى وغيرهم، ممن كفرهم الله، وكفرهم رسوله صلى الله عليه وسلم - إن لم يؤمنوا بهذا الإسلام، ويتركوا ما سواه من الأديان.
6 - وتستهدف إبطال أحكام الإسلام المفروضة على المسلمين أمام الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم من أمم الكفر ممن لم يؤمن بهذا الإسلام، ويترك ما سواه من الأديان.
7 - وتستهدف كف المسلمين عن ذروة سنام الإسلام: الجهاد في سبيل الله، ومنه: جهاد الكتابيين، ومقاتلتهم على الإسلام، وفرض الجزية عليهم إن لم يسلموا.
والله - سبحانه وتعالى - يقول: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
وكم في مجاهدة الكافرين، أعداء الله، ورسوله، والمؤمنين، من " إرهاب " لهم، وإدخال للرعب في قلوبهم، فينتصر به الإسلام، ويذل به أعداؤه، ويشف الله به صدور قوم مؤمنين.
والله - تعالى - يقول: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}.
فوا عجبا من تفريط المسلمين، بهذه القوة الشرعية؛ لظهور تفريطهم في مواقفهم المتهالكة: موقف: اغتيال الجهاد، ووأده. وموقف: تأويل الجهاد للدفاع، لا للاستسلام على كلمة الإسلام أو الجزية إن لم يسلموا. موقف: تلقيب الجهاد باسم: " الإرهاب " للتنفير منه؛ حتى بلغت الحال بالمسلمين إلى تآكل موقفهم في فرض الجزية على الكافرين في تاريخهم اللاحق؟
وإن فرض الجزية على اليهود، والنصارى، إن لم يسلموا: عزة للمسلمين، وصغار على الكافرين؛ لهذا كانت لهم محاولات منذ القرن الرابع الهجري لإبطال الجزية، وإسقاطها عنهم، وكان أول كتاب زوره اليهود في أوائل القرن الرابع الهجري، فعرضه الوالي على العلماء، فحكم الإمام المفسر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 - رحمه الله تعالى - بأنه مزور موضوع؛ لأن فيه شهادة معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - وهو إنما أسلم عام الفتح بعد عام خيبر سنة 7، وهم يزعمون أن هذا الكتاب، وضع عنهم الجزية عام خيبر، وفيه شهادة سعد بن معاذ - رضي الله عنه - وقد توفي عام الخندق قبل خيبر. فثبت تزويره.
وما زال اليهود يخرجونه من وقت إلى آخر، وفي كل مرة يحكم العلماء بتزويره، فكان في عصر الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 فأبطله.
وأخرجوه في القرن السابع في عصر شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى سنة 728 - رحمه الله تعالى - فأبطله، وهكذا، وشرح ذلك مبسوط في كتاب: " أحكام أهل الذمة: 1/ 5 - 8 " لابن القيم المتوفى سنة 751 - رحمه الله تعالى -.
¥