وهذا سبيل الزائغين من باب الصفات , إذ توهموا التمثيل في نصوص الصفات فدفعوه بالتحريف أو التجهيل. وإمعاناً في (الوصاية) و إتباعاً للأسلاف: جهم السمرقندي وبشر اليهودي وأضرابهما .. فإن سيفاً يريد أن يحشرك في مسائل وفق عقله الكليل وتمثيله المبطن , فصاحب (المقال) يردد: لو كان لله – تعالى - يد حقيقة فإما أن تمثِّلها بالمخلوقات وإلا ففوِّض (ص57) , وهذا مسلك الجهمية القائلين مثلاً لو كان الله فوق العرش للزم أن يكون العرش أكبر أو أصغر أو مساوياً .. (ينظر: الحموية ص274 , وبيان تلبيس الجهمية 3/ 683 , الدرء 6/ 290).
والمقصود أن داء التشبيه قد أغرق القوم , واستحوذ على أذهانهم وسيطر على أدمغتهم , فعالجوه بالولوج في دهاليز التجهيل والتفويض.
والأسطوانة التي يكررها سيف و نابتة التفويض عموماً هي أن يُخْضِع ويطوِّع السلفي لآراءه , فإما أن تكون ممثلاً أو مفوضاً , ولا سبيل غيرهما!! فقياس التمثيل جاثم عليه , كما كان جاثماً على أسلافه الجهمية.
فقاسوا الخالق على المخلوق قياس تمثيل , فنفوا العلو والاستواء عن الله – تعالى - , إذ انقدح في ذهنهم التمثيل فقالوا: لو كان الله فوق العرش للزم أن يكون العرش أكبر أو أصغر أو مساوياً .. أو على حدّ جواب امرأة جهم: محدود على محدود! لما قيل لها: الله – تعالى - على عرشه.
ـ واللُهاث في سراب التجهيم لا طائل من وراءه , ويوقع صاحبه في أنواع من السفسطة والمكابرات , فالعلامة العصري يتفاصح ويطالب بتعريف النزول واليد والمحبة والرضا .. كلّ ذلك من أجل أن يوقع غيره في (الشراك) الذي تخبط فيه من (تمثيل عالق) إلى (تفويض واقع) , فلا يعقل السيف المذكور آنفاً من إثبات (اليد) - على سبيل المثال - إلا الافتقار والحاجة! لأن اليد - عند المخلوق - لحاجته وافتقاره , فلازم الاحتياج والافتقار في صفات المخلوق نقله إلى الله تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً ولو انعتق عقله من أَسْر التمثيل وأثبت ما يختص به الربّ من جميع صفات الكمال الواردة في نصوص الوحيين لاستراح وأراح.
ـ والنصوص الشرعية التي جاء فيها وصف الله باليد - مثلاً - قد جاء فيها إضافة تلك الصفات إلى الله – تعالى - , وما أضيف من الصفات إلى شيء فإنه يكون لائقاً بما أضيف إليه , فإذا قيل: يد الفيل , فهم السامع لهذا الكلام من (اليد) معنى مناسباً لذات من أضيفت إليه , أي الفيل , ولم يفهم منه ما يناسب قولنا ـ مثلاً ـ يد النملة.
والنصوص الشرعية قد جاء فيها إضافة اليد إلى الله – تعالى - , ففهمنا أن ظاهر تلك النصوص يدل على أن تلك الصفات لائقة بالذات التي أضيفت إليها وذات الله ليست كذات المخلوق , فكذا صفاته كصفة اليدّ ليست كصفات المخلوق.
ـ ولما كان مذهب التفويض لسائر الصفات قائماً على تحكم وترجيح بلا مرجح , وتفريق بين نصوص الصفات , فالصفات السبع يثبتونها , وسائر الصفات يعتريها التفويض والتجهيل .. عندئذ شَرِقوا بقاعدة شرعية عقلية متينة تنسف مذهب أرباب التجهيل والتلفيق , وهي أن القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر , فعمد المسفسط إلى تسطير هذا العنوان: (بطلان مقولة القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر) وقد أشار بعضهم إلى هذه القاعدة كالأشعري في الإبانة (ص89) وابن الزاغوني في (الإيضاح في أصول الدين) ص284 , والباقلاني في الإبانة (انظر الفتوى الحموية لابن تيمية ص508) وابن قدامة في (تحريم النظر في كتاب الكلام) ص57ـ64 , فليست مقولة لابن تيمية وابن القيم فحسب كما ظن العصري.
ـ ويقال لهؤلاء الحيارى ها أنتم تثبتون صفة العلم لله – تعالى - , وتنكرون اليدين والساق لله - عز وجل - , بحجة أن في إثبات اليدين والساق افتقاراً وحاجة , فشبهة الحاجة والافتقار تنقلب على هؤلاء الأشاعرة (أرباب التجهيل) , فإن المعتزلة - نفاة العلم - يقولون: (لو كان لا يعلم إلا بعلم لكان محتاجاً في كونه عالِماً إلى ذلك .. وقد ثبت أنه غنيّ من كل الوجوه , ولا تجوز عليه الحاجة) المختصر في أصول الدين ضمن رسائل العدل والتوحيد لعبدالجبار المعتزلي 1/ 182.
فإن كان ثبوت اليدين يستلزم الحاجة , فكذا ثبوت العلم , وإن قلتم ثبوت الصفات لا يستلزم الحاجة , فقد بطلت دعواكم.
¥