تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هل كان فيلسوفاً مثل ابن سينا والفارابي وغيرهما؟ أم كان متكلماً مناهضاً للفلسفة؟ أم أنه متكلم متفلسف يؤيد الفلاسفة حيناً ويؤيد المتكلمين حيناً آخر؟ أم أنه مر بمراحل في حياته، يميل إلى الفلسفة في مرحلة ثم يتخلى عنها إلى علم الكلام في مرحلة لاحقة؟ (701).

هذه أهم الأقوال في حقيقة منهج الرازي وعقيدته التي سطرها في كتبه، والأقوال الثلاثة الأولى منها لا تعارض بينها، لأن من وصفه بأنه فيلسوف فقد بنى قوله على كتبه الفلسفية الواضحة كالمباحث المشرقية وشرح الإشارات، وشرح عيون الحكمة، وهذه كتب نهج فيها الرازي نهج الفلاسفة وهو و إن ناقشهم فيها أحياناً أو جعل فيها قسماً للإلهيات فذلك لأن كتب فلاسفة الإسلام نفسها فيها أشياء من هذا ولم تخرج كتبهم عن أن تكون كتباً فلسفية، ومن قال إنه متكلم ـ أشعري ـ فقد بنى ذلك على كتب الرازي التي تبنى فيها ـ بقوة ـ مذهب الأشاعرة كالأربعين وأساس التقديس ونهاية العقول والمعالم وغيرها وهؤلاء جعلوا خوضه في الفلسفة مثل خوض الغزالي فيها وإنما هو للرد على الفلاسفة ونقض أقوالهم، ومن قال إنه متكلم متفلسف فقد عبر فعلاً عن ما تحويه كتبه من موافقة لأهل الفلسفة وأهل الكلام.

أما القول الرابع وهو أن الرازي مر بمراحل فقد تبناه الدكتور محمود قاسم، وتابعه في ذلك تلميذه محمد صالح الزركان، وعلى هذا الرأي بنى رسالته العلمية عن الرازي (702)، فذكر ـ في كل مسألة من مسائل الفلسفة أو العقيدة ـ أن الرازي مر فيها بمرحلتين أو أكثر حسب ما هو موجود في كتبه المختلفة، ونظراً لأن هذه الدراسة انتشرت وتناقل أفكارها كثير من الباحثين، فأود أن أسجل عليها الملاحظات التالية وهي ملاحظات تفيد في التعرف على منهج الرازي وعقيدته:

أ ـ يقول الزركان “ نظراً إلى اختلاف آراء الرازي في معظم المسائل فقد تبادر إليّ بادئ الأمر أنني حيال تناقض واضطراب، وبالفعل كتبت الرسالة مفسراً ما أجده من تعارض آرائه بالتناقض، إلا أن أستاذنا الدكتور محمود قاسم رأى ـ بعد أن قرأ ما كتبت ـ أن الأمر ليس تناقضاً، بل هو تطور، وعندئذ عدت إلى أوراقي أقرؤها واضعاً نصب عيني الترتيب الزماني لمؤلفات الرازي، فاتضح لي صدق نظرة أستاذنا ومن ثم اضطررت إلى تغيير أكثر ما دونته أولاً “ (703)، والذي يتبادر إلى الذهن من هذا الكلام أنه قصد من تغيير منهجه في الدراسة إلى أن يتخلص من الحكم بتناقض الرازي، وليس هناك مبرر واضح لهذا التغيير، وكل إنسان ألف كتباً عديدة لابد أن يكون قد ألفها في أزمان متتالية، والتطور إنما يكون للآراء والأفكار، ولو أن الرازي كان أشعرياً في أول أمره ثم تحول إلى الفلسفة ورد على الأشاعرة، أو بالعكس، لكان هذا تطوراً واضحاً، ولكن من خلال تتبع مؤلفاته تبين أنه ألف في وقت مبكر كتباً فلسفية وأشعرية، وكذا في وسط حياته، ومثله في آخر حياته، ثم إن الرازي في واحد من كتبه المتقدمة التي وافق فيها بعض آراء الفلاسفة وصف بعض أقوالهم بأنها خرافات، وقال: إنه لا يقبل مقالات الأولين (704)، فكيف يقال: إنه في أول أطواره كان أرسطياً مشائياً؟ وإن كتابه “ المباحث المشرقية “ يمثل هذه المرحلة؟ والرازي يتناقض في الكتاب الواحد من كتبه، وقد ذكر الزركان مثالاً على ذلك (705)، فهل يقال في مثل هذا: إن مذهبه قد تطور؟

ب ـ سار الزركان في دراسته على تتبع جزئيات المسائل، وعرض تطور مذهبه في كل واحدة منها على حده، ومن المعلوم أن المسائل يترتب بعضها على بعض، فمن وافق الفلاسفة أو المعتزلة أو الأشاعرة فلا بد أن تكون موافقته لعموم المسائل التي يقوم عليها هذا المذهب ـ خاصة الأصولية منها ـ، والمتتبع لما عرضه الباحث لتطور مذهب الرازي في كل مسألة لا يرى أنها تسير نسقاً متقارباً ـ ولا أقول واحداً ـ والسبب في ذلك أن الرازي ـ وهو المكثر في تآليفه ـ كان يرجح في كل مسألة ما يتوصل إليه عند كتابتها، ثم قد يعود إلى المسألة نفسها في كتاب آخر ويرجح ترجيحاً مخالفاً لترجيحه الأول، والناظر فيما كتبه الباحث حيال ثلاث من أهم المسائل الفلسفية والكلامية، وهي مسألة: هل الوجود زائد على الماهية، والمثل الأفلاطونية، وتماثل الأجسام (706) وتطور مذهب الرازي في كل واحد منها، يستنتج منها أنه كان مضطرباً بشكل واضح وأن من الصعوبة بمكان القول بأن مذهبه تطور فيها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير